الثلاثاء، 14 أكتوبر 2014

* أحمد أمين صاحب فجر الإسلام يشكك في أحاديث البخاري والكتب الصحيحة ويطعن في أبي هريرة وعدالة الصحابة، وفي "فجرالإسلام" و"ضحى الإسلام" طوام لا يجوز السكوت عليها:



* أحمد أمين صاحب فجر الإسلام يشكك في أحاديث البخاري والكتب الصحيحة ويطعن في أبي هريرة وعدالة الصحابة، وفي "فجرالإسلام" و"ضحى الإسلام" طوام لا يجوز السكوت عليها:
يقول الدكتور مصطفى السباعي في بحث مطول نشره في مجلة الفتح (في 14 حلقة) إن كتابي "فجر الإسلام" و" ضحى الإسلام" للأستاذ أحمد أمين (عميد كلية الأداب بالجامعة المصرية) 1940م، من أشهر الكتب الحديثة المؤلفة في تاريخ العلم والثقافة في عصور الإسلام الأولى.
ومع أن المؤلف معروف لدى الأوساط العلمية بغزارة العلم ودقة البحث وحب التأليف، فقد وقعت له في هذين الكتابين أخطاء، لا أحب أن أصفها، حتى لا أتهم بالمبالغة، وحسبي أن أقول: إنها مما لا يجوز السكوت عليها بحال من الأحوال.
ولما رأيت أن السكوت عن تلك الأخطاء والتحريفات جناية في حق  الدين والعلم فقد أسرعت بكتابة هذا البحث، في نقد فصل واحد من كتاب "فجر الإسلام" وهو فصل (الحديث) .. وسيرى القارئ أن الأستاذ أحمد أمين:
أولاً: تأثر إلى درجة كبير ببحوث المستشرقين وكتاباتهم في علم الحديث.
ثانياً: تأثر بآراء رءوس المعتزلة وطوائف الشيعة ممن يتشيع لبعض صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون غيرهم.
ثالثا: استنتج من عنده بعض آراء ليس لها أساس علمي ولا مستند تاريخي صحيح.
رابعًا: لم يلتزم الأمانة ولا الدقة فيما نقله من النصوص والآثار.
خامسًا: لم يعتمد في تاريخ الحديث على كتب علوم الحديث، بل اعتمد على كتب الأصول، وخاصة كتاب "مسلم الثبوت" وشرحه، ومن هنا أورد كثيرًا من الأحاديث، منها ما لم يعثر له على أصل في كتب السنة، ومنها ما جاء بأسلوب مغاير لما في تلك الكتب.
وقد كان يستطيع الرجوع في معرفة هذه النصوص إلى مراجعها الحقيقية، لولا أنه يسعى إلى غرض معين فهو يتصيد الأدلة من هنا وهناك من غير تحقيق ولا تدقيق.
وللأستاذ أحمد أمين أسلوب خاص في بث آرائه التي يخالف بها الجمهور، متبعًا فيها بعض ذوي الأهواء من المسلمين أو ذوي الأغراض من المستشرقين، ومن خصائص هذا الأسلوب أنه يأتي بالفكرة فلا يلقيها إليك في كتابه دفعة واحدة ولا يظهرها لك على أنها رأي لمبتدع أو لمستشرق، ولكنه يوزع شيئًا منها هنا وشيئًا هناك متلطفًا في الأسلوب، متظاهرًا بالبحث  والتحقيق، ولا ينسى أن يستند في خلال ذلك إلى نص محرف أو حديث ضعيف أو رأي هزيل أو ينسب إلى العلماء قولاً لم يقولوه، وإلى بعض المذاهب آراء لم يذهبوا إليها، فلا يكاد ينتهي من بحثه حتى يكون قد أحكم بث الفكرة في ثنايا كتابه من غير إزعاج للقارئ ولا استفزاز لشعوره.
وبهذا الأسلوب استطاع الأستاذ أن ينجو مما لحق بزملائه من سخط الجمهور وأن ينال ثقته بإخلاصه وتجرده للحق والعلم.
وكم كان الأستاذ أحمد أمين بارعًا في التشكيك في أحاديث السنة، مما يدل دلالة قوية على أنه يشك فيها جملة -كما يقول كثير من المستشرقين- وكما قال من قبل بعض رؤساء المعتزلة والفرق الضالة والمبتدعة.
ومما يؤكد هذه الدلالة أن أحد المنتسبين إلى الإسلام في مصر، ممن تلقوا علومهم في جامعات روسيا الشيوعية (يقصد: إسماعيل أدهم أحمد) قام منذ سنين بوضع رسالة عن تاريخ السنة، انتهى به البحث فيها إلى أن هذه الأحاديث التي بين أيدينا، مشكوك في صحتها على العموم، ومن مزاعمه أن ما ذهب إليه قد وافقه عليه: فلان وفلان، والأستاذ أحمد أمين بكتاب أرسله إليه.
وانتظرنا من الأستاذ أن يكذب هذا الأتهام الفظيع الذي نسبه إليه تلميذ الشيوعيين فلم يفعل، بل قرئ له في بعض المجلات الأسبوعية ما يفيد تألمه مما حصل لصاحبه، وعد ذلك محاربة لحرية الرأي، وحجر عثرة قي سبيل البحوث العلمية الخالية من كل تعصب وهوى.
قال أحمد أمين: ويظهر أن الوضع في الأحاديث حدث في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - فحديث: "من كذب علي عامدًا متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" يغلب على الظن أنه إنما قيل لحادثة زوِّر فيها على الرسول - صلى الله عليه وسلم -. اهـ. 

ويقول الأستاذ مصطفى السباعي: إن هذا الذي استظهره أحمد أمين لا سند له في التاريخ، ولا في سبب الحديث المذكور، أما التاريخ فقاطع بأنه لم يقع في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن أحدًا من الناس زور عليه كلامًا، ورواه على أنه حديث من أحاديثه - صلى الله عليه وسلم -، ولو وقع مثل هذا لتوافر الصحابة على نقله لشناعته وفظاعته، كيف وقد كان حرصهم شديدًا على أن ينقلوا لنا كل ما يتصل به - صلى الله عليه وسلم -
أما الحديث المذكور فقد اتفقت الكتب والسنة على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما قاله حين أمرهم بتبليغ حديثه إلى ما بعدهم. وظاهر من الروايات أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد علم أن الإسلام سينتشر، وسيدخل فيه أقوام من أجناس مختلفة فيه بصورة قاطعة حث على وجوب التحري في الحديث عنه، وتجنب الكذب عليه بما لم يقله.
وليس في هذه الروايات إشارة قط إلى أن هذ الحديث قيل لوقوع تزوير على الرسول - صلى الله عليه وسلم -
قال أحمد أمين: وحسبك دليلاً عن مقدار الوضع، أن أحاديث التفسير التي ذكر عن أحمد بن حنبل أنه قال: لم يصح عنده منها شيء، قد جمع فيها آلاف الأحاديث، وأن البخاري وكتابه يشمل على سبعة آلاف حديث، منها نحو ثلاثة آلاف مكررة، قالوا: إنه اختارها وصحت عنده من ستمائة ألف حديث كانت متداولة في عصره. اهـ.
ويقول الأستاذ مصطفى السباعي: إن كثرة الوضع في الحديث مما لا ينكره أحد، ولكنه عندما أراد أن يستدل على مقدار الوضع فاستشهد بشيئين: أحاديث التفسير وأحاديث البخاري - وظاهر عبارته في أحاديث التفسير أنه يشك فيها كلها، إذ ينقل عن الإمام أحمد أنه قال: "لم يصح منها شيء" مع أنهم قد جمعوا فيها آلاف الأحاديث.ثانيًا: أن نفي الصحة لا يستلزم الوضع، والضعف، وقد عرف عن الإمام أحمد خاصة نفي الصحة عن أحاديث وهي مقبولة، وقالوا في تأويل ذلك أن هذا اصطلاح خاص به.
ثالثا: إن الإمام أحمد لم يقل أنه لم يصح في أحاديث التفسير شيء، وإنما قال: "ثلاثة ليس لها أصل، ولا يخفى ما بين العبارتين من فرق، إذ يحتمل أن يكون مراده نفي أن يكون للتفسير كتاب مأثور.
ولا يلزم فيه نفي صحة شيء من أحاديث التفسير.
رابعًا: يحتمل أن يكون مراد الإمام أحمد ما صح من التفسير قليل بالنسبة لما لم يصح.

* والكلام في أحاديث البخاري:
وننتقل إلى أحاديث البخاري وقد زعم الأستاذ أحمد أمين أنهم قالوا: إن البخاري اختار أحاديث كتابه وصحت عنده من ستمائة ألف حديث، ولا أدري من قال هذا القول؟!
أما علماء الحديث ورجال المصطلح، فقد ذكروا أن البخاري لم يجمع في كتابه كل ما صح عنده، فإذا كان العلماء يقرون أن البخاري لم يخرج كل ما صح عنده يكون ما نقله الأستاذ أحمد أمين عنهم نقلاً غير صحيح.
وحاول الأستاذ أحمد أمين التشكيك في عدل الصحابة فقال: الذي جرى عليه العمل من أكثر نقاد الحديث -وخاصة المتأخرين منهم- على أنهم عدلوا كل صحابي ولم يرموا أحدًا منهم بكذب ولا وضع وإنما جرحوا من بعدهم.
ويقول الأستاذ مصطفى السباعي: مما اتفق عليه التابعون ومن بعدهم، من جماهير المسلمين ونقاد الحديث قاطبة: "تعديل الصحابة"
وتنزيههم عن الكذب والوضع، هذا هو الواقع والمعروف في هذه المسألة.
ولكن المؤلف لغرض في نفسه -سبق التنبيه إليه- يريد أن يشكك في هذه الحقيقة فزعم أولا أن (أكثر) النقاد عدلوا الصحابة، مع أن النقاد قاطبة عدلوهم لم يشذ في ذلك أحد.
وزعم ثانيًا: أن قليلاً منهم من أجرى على الصحابة ما أجرى على غيرهم، مع أن هؤلاء الذين تكلموا في الصحابة ليسوا من نقاد الحديث، ولكنهم من ذوي الأهواء والفرق المعروفة عند المسلمين، بالتعصب لبعض الصحابة على البعض الآخر.
وزعم المؤلف ثالثًا: أن هذا التعديل كان من أكثر نقاد الحديث، وخاصة المتأخرين منهم، مع أنه لم يؤثر عن أحد من المتقدمين من أهل العلم -من التابعين فما بعدهم- أنه طعن في صحابي أو ترك الحديث عنه، أو وضعه في ميزان الجرح والتعديل.
وهناك ثلاثة مزاعم يأتي بعضها إثر بعض، ليس من ورائها إلا تهوين القول بعدالة الصحابة على الإطلاق، وتجرؤ ذوي الأهواء في حقهم، إذ روي عن أولئك الأصحاب ما يخالف أهواءهم، مع أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هم حماة الدين ونقلة السنة أمناء الشريعة.
لم يكتف المؤلف بهذا، بل زاد على ذلك زعمًا آخر تأكيدًا لما رمى إليه، وتقريرًا له في نفس القارئ، حيث قال بعد ما تقدم:
"ويظهر أن الصحابة أنفسهم في زمنهم كان يضع بعضهم بعضًا موضع النقد وينزلوا بعضهم منزلة أسمى من بعض .. إلخ".
وحاصل كلامه في هذا الموضوع أن الصحابة -رضي الله عنه- كان يشكك بعضهم في صدق بعض ويضع بعضهم بعضًا موضع النقد. وما ذكره أحمد أمين من أن الصحابة كان بعضهم يضع بعضًا موضع النقد، مع أن كل ما كان يقع  من الصحابة من رد بعضهم على بعض، إنما هو نقاش علمي محض مبني على اختلاف أنظارهم وتفاوت مراتبهم في الاستنباط أو الاجتهاد، أو على نسيان أحدهم حديثًا وتذكر الآخر له، وليس ذلك ناشئًا عن شك أو ريبة أو تكذيب واحد لآخر.
ويقول الأستاذ مصطفى السباعي: إن الأستاذ أحمد أمين كان لبقًا في توجيه المطاعن نحو (أبي هريرة) -رضي الله عنه- ومجاراة المستشرقين والنظام ومن شايعه من المعتزلة في التحامل على هذا الصحابي الجليل، لقد وزع طعونه في مواضع متفرقة من بحثه، كان حديثه عنه حديث محترس متلطف، يحاذر أن يجهر بما يعتقد في حقه من سوء.
ولكن أسلوب الأستاذ وتحريفه لبعض الحقائق في تاريخ أبي هريرة -رضي الله عنه-، وحرصه على التشكيك في صدقه وتصديق الصحابة له، كل ذلك قد نمّ على سريرة الأستاذ، وأزاح الستار عن خبيئة نفسه قال - صلى الله عليه وسلم -: "من أسر سريرة ألبسه الله رداءها".
ومن الإنصاف أن نقول: إن الأستاذ أحمد أمين لم يكن أول من أساء الظن بهذا الصحابي الجليل، ولا أول من حرف تاريخه، بل هو مقلد لأساتذته من المستشرقين، المتعصبين الذين دأبوا على تشويه الحقائق.
وعندما ترجم أحمد أمين لأبي هريرة: "اقتصر على ذكر نسبه وأصله وتاريخ إسلامه وأشار إلى ما روي من دعابة أبي هريرة ومزاحه.
وكان من حق الأمانة العلمية عليه أن يذكر لنا مكانته بين الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، وثناءهم عليه وإقرارهم له جميعًا بالحفظ والضبط والصدق.
ولكن الأستاذ أحمد أمين لم يفعل شيئًا من هذا بل تعرض لأمور يسيء ظاهرها لأبي هريرة -رضي الله عنه- جد الإساءة فكانت محاولة مستورة للطعن فيه تمشيًا مع جولد زيهر وأضرابه من المستشرقين.
وقد اقتصر المؤلف على ذكر الشك في حفظ أبي هريرة -رضي الله عنه- من بعض الصحابة، دون أن يذكر لنا إقرار جمهورهم بحفظه وتثبيته، ودون أن يذكر لنا ثناء أهل العلم عليه من التابعين من بعدهم، واعترافهم له بأنه أحفظ صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأرواهم للحديث، وهذا دليل واضح على أنه لم يقصد بمقالته إلا الطعن الخفي في صدقه والتشكيك القوي في أحاديثه ومروياته وقد اعتمد المؤلف على دائرة المعارف الإسلامية في هذا الاتجاه.
إذا تذكرت أن الأستاذ أحمد أمين تابع جولد زيهر (اليهودي) في تجريح أبي هريرة -رضي الله عنه- واتهامه، علمت السر في توخي الأستاذ لهذه المسألة هنا وتتبع خطرات جولد زيهر، ثم رأيت إلى أي حد يكون التلاعب بالحقائق في سبيل الأهواء.
ماذا يضر أبا هريرة أن ينحله الواضعون أحاديث كثيرة، ثم كيف يكون الكذب عليه داعيًا للشك في أحاديثه كلها، لو أن العلماء لم يميزوا الثابت عنه من المنتحل، لكان هناك عذر في التشكيك بأحاديثه كلها، أما وأن أئمة الأحاديث ميزوا الصحيح عن الموضوع وبينوا ما ثبت عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مما لم يثبت، بطرق هي غاية في الدقة والتحري، فلا عذر لأحد أن يتشكك في أحاديثه جملة، إلا أن يكون صاحب هوى وغرض يتلمس لنشر هواه كل طريق ملتو معوج.
ولعل القارئ أدرك من كل ما كتبنا، أن الأستاذ أحمد أمين تابع المستشرقين المتعصبين في التحامل على ذلك الصحابي الجليل ومنزلته في الحديث.

* بماذا يفتخرون:
والأستاذ مغرم جدًّا بمحاكاة المستشرقين ونقل أقوالهم، ومن ذلك قولزكي مبارك عنه:
إن أحمد أمين لا يهمه أن يرد الحقوق لأربابها إلا في موطن واحد، هو الموطن الذي يقول فيه: أنه استأنس بأراء المستشرقين ليقال: أنه يطلع على أقوال المستشرقين.
والغرض الأول من نشر هذا البحث هو لفت أنظار الباحثين وخاصة علماء الأزهر الشريف إلى ما في كتاب "فجر الإسلام" و"ضحاه" من أخطاء يعتبر السكوت عليها بعد الإحاطة بها جناية في نظر الدين والعلم، وحتى لا ينصحوا تلاميذهم باتخاذ هذا الكتاب وغيره مرجعًا أساسيًا (1).

__________
(1) "جيل العمالقة" (ص 87 - 94).

هناك تعليق واحد: