* دريّة شفيق زعيمة حزب بنت النيل وصلتها بالغرب والدوائر الصليبية واليهودية:
"لما كان عامل المنافسة بين العاملات المأجورات لترويج الحركة النسوية في مصر من دواعي السرعة لبلوغ المراد عند الاستعمار، فقد عمل على انشاء حزب نسائي جديد سنة 1945 أطلق عليه "الحزب النسائي" ولم يخرج هذا الحزب قليلاً أو كثيرًا في أهدافه عن أهداف الاتحاد النسائي، وإن كان المعلوم بالضرورة أن إنشاء هذا الحزب كان لمجرد التجديد في وسائل الإغراء والفساد.
وعلى هذا النمط قام الحزب النسائي الثالث باسم حزب بنت النيل الذي تتزعمه درية شفيق ..
وقصة إنشاء هذا الحزب ترتبط بقصة زعيمته، وتعطي صورة ناطقة
لحقيقة النوع المختار من النساء لإشعال نار الفتنة، للإتيان على كيان الأسرة المسلمة من القواعد.
ولعل كثيرًا من الناس يجهلون كيف نشأت هذه السيدة نشأة غامضة، فقد انتسبت للجامعة في مستهل عهدها بقبول الفتيات طالبات فيها إلى جانب الفتيان، حيث استطاع لطفي السيد أن يتحدى الرأي الإسلامي بقوة واقتدار، معلنا ذلك للملأ بقوله بالنص: "ويتصل بخطأ الجماهير في فهم رسالة الجامعة وهي مسألة كانت قليلة الأنصار في الرأي العام. وفي هذا المقام يسرني أن أؤكد لكم أني لم أتعرض إلى جزئية من الجزئيات تجعلني أندم ولو
وقتيًا على ما شرعته الجامعة من هذه الخطة من غير أن تستفتي العرف العام".
ومن خلال هذا التحدي الجامعي كانت السيدة وهي طالبة تبالغ في إبراز فتنتها وجمالها حتى لقد كان يتألم من مظهرها الأساتذة والطلاب، ومع ذلك فقد واصلت دراستها حتى تخرجت، ثم سافرت -وحدها بالطبع- إلى فرنسا للحصول على درجة الدكتوراه التي كان موضوعها مرتبا بما تعلقه على نفسها من المساهمة في سبيله في مستقبل أيامها .. لقد كان موضوعها يتعلق بموقف الإسلام من المرأة .. وبالطبع موقف الإسلام الذي تفهم حضرتها من سماحته ما لا يتعارض مع فسوق أو فجور .. ومن خلال رحلتها تزوجت بمصري معروف يرأس اليوم تحرير إحدى الجرائد الكبرى، وكان هو الآخر طالبًا هناك حينئذاك إلا أن الزواج لم يطل أكثر من شهر لأسباب غير معلومة. وعادت إلى مصر فاجتهدت في أن تدرس بالجامعة، ولكن الجامعة وقفت دون رغبتها؛ لأنه كان في الغالب فرق بين قبول أمثالها طالبة وبين قبولها كمدرسة للجيل .. أيًّا كان هذا الجيل ..
وهناك بدأ يزداد الغموض في حياتها .. فمن شقة متواضعة إلى شقة مترفة وأثاث ورياش إلى ظهور في المجتمعات والحفلات إلى رحلات متعددةبين مصر وأوربا، وفي خلال بضع سنوات تزوجت من أحد مدرسي الجامعة الشبان الذين ما لبثوا أن صاروا من أساتذة الجيل.
وفي سنة 1949 - أي بعد فترة وجيزة من هذا التصريح- فوجئ الشعب بإنشاء حزب نسائي جديد ترأسه المرأة الغامضة .. ولم يمض قليل حتى أصدر ذلك الحزب الناشئ ثلاث مجلات تطبع في حجم كبير وعلى ورق مصقول، اثنتان منها باللغة العربية والثالثة باللغة الفرنسية عدا المطابع المجهزة، والسيارات الفاخرة ..
وأخذ الناس يتساءلون عن موارد السيدة الغامضة، ومن أين لها هذا الخطر، ولكنها لم تمهلهم حتى أمطرتهم بوابل من القذائف الرائشة على الدين والأخلاق، لتشغلهم عن نفسها بالأخذ والرد والجذب والشد ..
* ترحيب الصحف البريطانية:
وفي خلال أشهر من تكوين الحزب سافرت حضرتها إلى إنجلترا فقوبلت بحفاوة عظمى قيل: أنه لم ينل مثلها كثير من رؤساء الدول وزعمائها، ورحبت بها الصحف البريطانية بدون استثناء ونشرت عنها الأحاديث العديدة التي تصورها بصورة الداعية الكبرى إلى تحرير المرأة المصرية من أغلال الإسلام وتقاليده .. أغلال الحجاب والطلاق وتعدد الزوجات.
ونحن نكتفي بالإشارة إلى عينة من أحاديثها هناك وكان مع مراسل جريدة "ذى سكتشمان" الذي كتب يقول:
"إن الأهداف المباشرة لحزب بنت النيل هي كما أوضحتها الدكتورة درية شفيق: منح المرأة حق الأقتراع وحق دخول البرلمان، والمطمع الثاني الذي تهدف الدكتورة لتحقيقه هو إلغاء تعدد الزوجات وإدخال قوانين الطلاق الأوروبية في مصر" وتقول: "إن الطلاق في مصر بوضعه الحالي أمر يسيرجدًا فالزوج المسلم له الحق في أن يطلق زوجته بمجرد قوله: أنت طالق أما فيما يتعلق بتعدد الزوجات، فإنه لا يزال شائعًا بين الطبقات الفقيرة".
* انكشاف المستور:
وبلغ التوتر مبلغه ونهض رجال الدين ودعاة الفضيلة والأخلاق على قلب رجل واحد يجابهون الاستعمار في شخص هذه السيدة أمام أعظم حصن من حصون الإسلام وهو الأسرة المسلمة، ووقف الاستعمار بأمواله ونفوذه .. وانكشف بعض المستور حين قدمت إحدى عضوات مجلس إدارة الحزب استقالة مسببة. ما لبثت أن قبلتها الرئيسة دون عرضها على مجلس الإدارة، وكم كانت الدهشة كبيرة، وإن لم تكن مفاجئة بطبيعة الحال، إذ
علم أنه قد حيل بين كثير من الصحف وبين نشر سبب الاستقالة حتى فوجئ الشعب بأن السبب هو أن السفارة الإنجليزية والسفارة الأمريكية تمدان الحزب بألفين من الجنيهات سنويًّا، عدا الورق المصقول وغيره فضلاً عن تقديم المشورة والتوجيه.
على أن هذه الاستقالة لم تكن وحيدة في ذاتها وفي أسبابها، بل لقد تبعتها وسبقتها استقالات أخرى وأنه كان مما يلفت النظر منها، استقالة السيدة درية جمعة من كبيرات نساء الحزب، وهي الاستقالة التي نشرتها جريدة الأهرام، وعلق عليها رئيس تحريرها في الصفحة الأولى في ذلك الوقت، حيث اعترفت السيدة المذكورة بفساد الأصول التي يقوم عليها مجتمع نسائي كهذا، واكتفت بالإشارة إلى خطورة هذا الفساد بقولها ما نصه: "وإني لا أدري الحكمة من اشتراك الرجال في حزب نسائي، لذلك أقدم استقالتي"، وكان تعليق رئيس التحرير وهو من أعلم الناس بالزعيمة المحترمة طبعًا، إذ زاد على ذكر الرجال فقرر عن أن الكثيرين منهم من الشباب ومن الشباب الأعزب بالذات* وزيرة الشئون البريطانية تتفقد الهيئات النسائية في مصر:
ومن هنا أيضًا لم يُدهش الشعب المصري لزيارة وزيرة الشئون الاجتماعية البريطانية مسز "سمر سكيل" حيث تفقدت الأحزاب النسائية في مصر، وعقدت الكثير من الاجتماعات مع زعيماتها وفي مقدمتهن هذه السيدة الغامضة، وختمت زيارتها بحديث من محطة الإذاعة المصرية تقول فيه للمصريين ما نصه: "إنني أتحدث إليكم كامرأة وامرأة متزوجة وكمصلحة اجتماعية وكطبيبة فأقول لكم كامرأة: إن الرجال وحدهم لا يستطيعون الفوز في هذا الصراع الذي يشن من أجل خير الأسرة ورفاهيتها، ولن تكسبوا هذه الحركة إلا إذا اشتركت المصريات مع المصريين في الكفاح الوطني على قدم المساواة".
نعم إنه لعجيب حقًّا أن تتحرق الوزيرة البريطانية غيرة على نجاح مصر في كفاحها من أجل خير الأسرة ورفاهيتها، وتتحدث عن الكفاح الوطني الواجب لمصر من أجل الحرية والسيادة، في الوقت الذي كانت تنكر فيه الحكومة البريطانية مطالب مصر في الجلاء ووحدة وادي النيل!.
* توجيهات الاستعمار:
ومن ذلك التاريخ نحت رئيسة بنت النيل في ظل من الحماية الأجنبية منحى جديدًا في بابه، استغله أذناب المستعمر في الأحداث الوطنية التي حدثت قبل إلغاء معاهدة سنة 1936 وبعدها فكان الهدف هو إشغال الرأي العام بقضية المرأة في مصر، عن التفرغ لقضية الوطن!.
ففي إبريل سنة 1951، خرجت مظاهرة، من قاعة أيوارت بالجامعة الأمريكية ذات التاريخ الطويل في التبشير -قوامها بضع عشرات من الفتيات الكاسيات، تتقدمهن زعيمة الحزب المذكور. وبعض الشباب من أصدقاء حزبها وأنصاره .. إلى أين؟! إلى دار البرلمان، هاتفات بالحقوق السياسية المزعومة!!
ولقد اعترفت الزعيمة المحترمة بمقابلة الوزيرة البريطانية وتحريضها لها فنشرت حديثًا بجريدة البلاغ بعد ذلك بيومين تبين أثر المقابلة في عزمها على "ترك المقالات والمناقشات والمجادلات، والاتجاه إلى المظاهرات واقتحام أبواب البرلمان"، وذلك تمشيًا طبعًا مع مغزى الكفاح الوطني المزعوم الذي ترمي إليه الوزيرة البريطانية، والذي تشترك فيه المرأة مع الرجل على قدم المساواة .. !
وهكذا لم يكن عجيبًا أيضًا أن تبرق جمعية سان جيمس الإنجليزية إلى الزعيمة المذكورة بتهنئتها علي نجاحها في اتجاهها الجديد نحو المظاهرات وتعلن تأييدها لها حتى تنال المرأة المصرية على يديها الحقوق السياسية، تحت قبة البرلمان وفوق كراسي الوزارة.
* مؤتمر أثينا النسائي الدولي .. وسياسة التسلح الدفاعي:
وفي إبريل سنة 1951 عقد مؤتمر نسائي دولي في أثينا، لبت دعوته الزعيمة باسم المرأة المصرية -زورا وبهتانًا- ومع أن المؤتمر في ظاهره يدعو إلى حقوق المرأة المزعومة، فإن قراراته كشفت عن أنه مؤامرة استعمارية بعيدة المدى، فقد جاء في أحد هذه القرارات: "الموافقة على سياسة التسليح الدفاعي"، ومع أن مصر كانت وما زالت بطبيعة الحال ترفض أي ارتباط دولي في شئون الدفاع، فإن الزعيمة المصرية كانت في مقدمة المؤيدات للقرار تأييدًا حارًا، حتى أن مندوبتي إنجلترا واليونان ظلتا تصفقان للقرار تصفيقًا شديدًا طويلاً!.
ولعل أبلغ ما قوبلت به الزعيمة المحترمة على إثر عودتها من هذا المؤتمر، كان من بعض سيدات الأحزاب النسائية الأخرى "سيزا النبراوي" إذ كتبت في جريدة المصري الصادرة يوم 9 أبريل سنة 1951 تقول: "لعلالمندوبة المصرية قد أدركت خطورة هذا القرار على مطالبنا الوطنية، فإن الاحتلال البريطاني يتذرع بهذه الحجة عينها "حجة التسلح الدفاعي" للبقاء في أرض الوطن ورفض الجلاء الذي نناضل من أجله، إن هذا القرار في الحق لا يقاوم الحرب، وإنما يؤيد الاحتلال، لذلك رأينا المندوبة البريطانية مصفقة له مرحبة به".
* مؤتمر ستوكهلم .. وتثبيت دعائم إِسرائيل:
على أنه قد أثبتت الحوادث فوق ذلك أن هذه الحركة النسائية المصرية لم يقف تواطؤها مع الاستعمار الغربي عند حد تثبيته في مصر والشرق فحسب، بل إننا لا نغالي إذا قلنا عنه أنه كان يسخر لتثبيت دولة إسرائيل المزعومة، لتظل شوكة قوية في ظهر الدول العربية والإسلامية وقد اتضح ذلك بجلاء حين اشتركت المندوبة المصرية في المؤتمر النسائي الدولي الذي أقيم في استوكهلم وجاء من ضمن قراراته الاستعمارية قرار يقضي بمطالبة وزير داخلية السويد -التي عاصمتها ستوكلهم طبعًا- بإنزال أشد العقوبات على مسيو "انيرابر" الصحفي السويدي المعروف، لمواصلته أعمال الدعاية ضد الصهيونيين في السويد".
وقد كتب مسيو انيرابر على أثر ذلك إلى الجامعة العربية والحكومة المصرية، يستنكر موقف مندوبات مصر في ذلك المؤتمر لموافقتهن على هذا القرار ..
* زعيمة هندية تعلن استغلال الاستعمار الغربي للحركات النسائية:
هذا وقد كان من أثر جلاء الغاية التي يسعى إليها الاتحاد النسائي الدولي بمؤتمراته الخطيرة في استغلال مندوبات الدول الواقعة تحت النفوذ الاستعماري الغربي لتثبيت دعائم الاحتلال في هذه البلدان .. أن هبت الزعيمة الهندية "كاميلا ديفي" في وجه هذا الاتجاد وهي عضو أصلي فيه، وأعلنت استقالتها منه. وأذاعتها في كثير من الصحف العالمية، ونشرتها لها جريدة المصري هي الأخري في 21 أبريل سنة 1951 حيث قالت هذه الزعيمة: إنها تعلن استقالتها من الاتحاد النسائي الدولي؛ لأنه واقع تحت سيطرة الدول الغربية الاستعمارية، ويعارض مجهودات السلام، وخاصة وقف الحرب في كوريا.
ولعل أبلغ دليل على أن زعيمة النيل .. المصرية كانت ترتبط بتعليمات أجنبية معادية، هو ما أيدته الوقائع من خلال الفترة التي ألغيت فيها المعاهدة المصرية الإنجليزية وقامت فيها الأمة قومة رجل واحد لحرب الإنجليز في القتال، وترويع أمنهم وقطع المئونة عنهم، وانسحاب العمال المصريين من معسكراتهم، حتى قيام حركة الجيش وما بعدها .. فقد حدث أن سقطت وزارة الوفد على إثر حريق القاهرة المعروف، وجاءت على إثرها وزارة علي ماهر حيث تنفست الزعيمة الصعداء وقويت شوكتها، خاصة بعد أن أعلن عدم اعتراضه لطريق الداعيات لحقوق المرأة لأنهن -علي حد تعبيره- نصف أمة الذي لا يجوز أن يشل .. ثم لم تلبث وزارة علي ماهر أن سقطت هي الأخرى وجاءت على إثرها وزارة الهلالي وحل البرلمان وفكرت الحكومة في تعديل قانون الانتخاب، وهناك ظهر نفوذ الاستعمار لصالح الزعيمة حينما رفعت الصوت من خلال هذه الأحداث الوطنية على خطرها منادية بحق المرأة في الانتخاب والترشيح وبضرورة إيجاد نص في القانون يجعل النساء سواسية مع الرجال إزاء هذا الحق المزعوم ..
* الزعيمة تستنجد ببريطانيا:
وإني أذكر أننا قابلنا المسئولين في وزارة نجيب الهلالي لنحول دون النص فطلب إلينا أن نعبئ الأمة للمقاومة وإلا نجحت الهيئات النسائية في بلوغ مرادها بكل قوة! فلما قامت قومة رجال الدين ودعاة الفضيلة والأخلاق بحملتهم الناجحة التي أحبطت كيد الاستعمار وأذنابه وأسندت ظهر الحكومة أمام الخطر، اضطرت الزعيمة إلى الاتصال بإنجلترا رأسًا، فلجأت على الفور إلى مندوب الإذاعة البريطانية في مصر مستر باتريك سميث ليرفع إلى بلاده شكوى عميلتها من الحكومة المصرية.
ولذلك لم يعجب هؤلاء الذين استمعوا إلى المذيع البريطاني المذكور حينما تكلم إلى بلاده حينذاك فقال في رسالة ما ملخصه: "جاءتني الدكتورة درية شفيق زعيمة حزب بنت النيل، وقد شكت إليَّ من أن الجهات المسئولة في مصر تعارض بشدة مطالبتها بحقوق المرأة السياسية وكفاحها لأجل تمثيل المرأة داخل البرلمان المصري، وطلبت مني أن أناشد الصحف البريطانية كي تؤازرها بكل ما تستطيعه، وأن تضغط على الدوائر المصرية حتى تكف عن معارضتها القائمة، ثم أوصى حضرته في رسالة بضرورة مؤازرة هذه الزعيمة في دعوتها إلى تحرير المرأة المصرية، عملاً بميثاق هيئة الأمم المتحدة الذي تحتكم إليه الزعيمة والذي ينص على تطبيق مبدأ المساواة في الحقوق السياسية والاجتماعية بين الرجال والنساء في الدول الأعضاء التي بينها مصر".
* الزعيمة في مؤتمري لندن ونابلي:
وفي مستهل العهد الجديد وفي وزارة علي ماهر الأخيرة على وجه التحديد ومن خلال تلك المرحلة الحاسمة التي كان يتقرر فيها مصير الحركة، وينساق كل مشبوه سياسي إلى مكان بعيد عن مسرح الثورة لكي تأمن شرورهم في الداخل والخارج على حد زعمها، فوجئ الشعب بسماح علي ماهر لهذه الزعيمة بالسفر إلى لندن لحضور المؤتمر النسائي الدولي هناك ثم انتقالها بعد ذلك على الفور لحضور انعقاده في نابلي بصحبة مندوبة إنجلترا لأنها عضو أصلي به على خلاف الدكتورة درية شفيق التي كانت مندوبة زائرة فقط تسعى للحصول على صفة العضوية الأصلية بواسطة المندوبة الإنجليزية المذكورة ..
وقد استقبلت الصحف البريطانية جميعها على عادتها قدوم الزعيمة استقبالاً حارًا علقت عليه بعض الصحف المصرية -في دهشة- بأنه استقبال لم يحدث له مثيل، وهناك أدلت الزعيمة بتصريحات خطيرة قالت في إحداها - ما نشرت جريدة الديلي اكسبريس: "إن نظام الحكم الحاضر -الذي كان يتزعمه محمد نجيب- يوفر الحياة الحرة لكل فرد من مواطنيه ولذلك فقد يكون الوقت قد حان لنا نحن النساء لكي نتمتع ببعض حقوقنا القانونية بعد زمن طويل".
وفي خلال الأسبوع الذي أقامته في إنجلترا كانت محل عناية خاصة دون غيرها من وفود الدول الأخرى، وقابلها المسئولون هناك مقابلات خاصة متصلة متكررة رسمت فيها من الاتجاهات ما كان له أثر كبير في تقوية أملها في بلوغ الأهداف التي يدفعها إليها أعداء الإسلام ..
* الزعيمة .. وإِسرائيل:
ومن ثَمَّ اتجهت إلى روما بصحبة المندوبة الإنجليزية سالفة الذكر ومندوبة إسرائيل أيضًا مدام "تبهيلا مانمون" حيث كان همها كما قلت: أن يقبلها المؤتمر عضوًا أصليًّا كي يكون لها قوة الأشتراك دي توجيه السياسة النسوية الاستعمارية لا في مصر وحدها، بل في مختلف الدول الأعضاء وليكون لها بحكم هذا الوضع مساهمة فعالة من حيث وضع إسرائيل كدولة يدخل تثبيت قواعدها في نطاق عمل المؤتمر .. كما سيتبين بعد.
فمع أن الدول العربية قد أصدرت تعليماتها إلى مندوبيها في المجتمعات والمحافل الدولية وإلى سفرائها ووزرائها المفوضين في مختلف الدول كي يقاطعوا مقاطعة تامة شاملة، كل الأوساط التي تجمع الدبلوماسيين الإسرائيليين، وكي يصدروا عن حزم وعزم في احتقارهم وعدم الأعتراف بوجودهم، حتى لقد أنشأت الجامعة العربية في جلسة اللجنة السياسية المنعقدة بالقاهرة في 18 مايو سنة 1951 مكاتب أقليمية في الدول العربية ينسق جهودها مكتب رئيسي في مقر الجامعة لمكافحة التعامل أو الأتصال بأي صورة بإسرائيل أو رعاياها، بل إن حركة الجيش قد عززت هذا المكتب، وأعطته أهمية كبرى لمضاعفة جهوده في الحيلولة دون أي اتصال من هذا القبيل، وقرر مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في 18 ديسمبر الماضي إنشاء مكتب أقليمي مدعم بجوار مكتب الجامعة العربية، وأهاب بكل مصري وكل مواطن كريم إن يبادر مشكورًا بموافاة المكتب بأية معلومات في هذا الصدد كي ينهض برسالته ويحقق المقاطعة المرجوة على أكمل وجه، وبالرغم من ذلك كله فقد كانت أول خطوة خطتها زعيمة بنت النيل في روما أن انتهزت فرصة حضورها المؤتمر كزائرة فاتصلت بوفد إسرائيل ورئيسته المذكورة، طوال الأيام التي مكثتها هناك، ونشرت الصحف الأوربية، وبعض المجلات النسوية المصرية الصور الكثيرة التي بدت فيها الدكتورة درية شفيق في أحاديث هامة وأوضاع شتى معِ هذه الإسرائيلية الخطيرة مما يدل دلالة قاطعة على أن الزعيمة كانت مُسَخَّرة في هذه المقابلات الجريئة وما صاحبها من التصريحات الخطيرة التي ما لبثت أن افتضحت مراميها واتجاهاتها لا على لسان الصحف الأوربية فحسب، بل الصحف الإسرائيلية في تل أبيب أيضًا .. !
ولقد أشارت المجلة المصرية سالفة الذكر إلى اتصالات درية شفيق وتصريحاتها ونقلت أنباءها ونصوصها .. وقد جاء فيها كما نشرته الصحف الإيطالية ما نصه:
"إن السيدة درية شفيق وجهت خطابًا خطيرًا لقائد القوات المسلحة -محمد نجيب- حيث قالت: إنها بوصفها ممثلة لجميع نساء مصر في سنة 1952 تطالب بشرف الخدمة العسكرية، وأن القائد محمد نجيب لم يبتسم لهذا الطلب فحسب بل وعد بالاهتمام به .. ".
ولعل أخطر تلك التصريحات المجنونة، ذلك التصريح الذي نشرته مجلة الايبوكا الإيطالية حيث قالت:
"إن السيدة درية شفيق مشحونة بالظرف، وذات نظرات خطيرة وجاذبية باريسية، وأنها الصديقة المسموعة الكلمة لدى الجنرال محمد نجيب الذي وعد الحركة النسوية بالتأييد والتقدير".
وبطبيعة الحال إن هذا التصريح من هذه الجريدة الأجنبية لم يكن إلا للتوريط، ولكنها معذورة أمام تقرير درية شفيق بأنها تمثل نساء مصر على الإطلاق! ومع ذلك لقد فاتها أن مصر هي زعيمة العالم الإسلامي وموطن الأزهر، ومهبط طلبة العلم الديني، ولكنها الحروب الصليبية التي لن تضع أوروبا كافة أسلحتها بغية القضاء على الإسلام مستغلة أمثال هذه الأذناب من الخارجين والخارجات ..
* المندوبة الإِسرائيلية تهنئ نفسها بصحبة درية شفيق:
والأخطر من هذا كله ذلك التصريح الذي أصدرته ممثلة إسرائيل ونشرته الصحف الإيطالية والإسرائيلية تعقيبًا على تصريحات الدكتورة درية شفيق حيث أعلنت المندوبة الإسرائيلية المذكورة ارتياحها لاتصالها بالمندوبة المصرية بلندن ومصاحبتها لها إلى نابلي حيث قالت: " إنني أهنئ نفسي بهذا الاتصال الذي ربط بيني وبين السيدة درية شفيق، وإنني أعلن لعضوات المؤتمر السادس عشر في نابلي أني عقدت آمالي على الزعيمة المصرية لحل جميع المشاكل بين البلدين إسرائيل ومصر"* الباريسيات أنفسهن .. يتهكمن .. !!
ْعلى أنه كان مما يلفت النظر بهذه المناسبة أن الوفد النسائي الفرنسي في المؤتمر علق على حركات ومظاهر السيدة درية شفيق في أوروبا بقوله كما نشرته بعض الصحف الإيطالية حيث قال: "إذا كانت السيدة درية شفيق هي النموذج الصحيح لنساء مصر، فقد أدركنا الآن السر في أن نساء الشرق المسلمات .. " والباقي مفهوم ..
هذا وقد نشرت المجلة النسوية المصرية سالفة الذكر بجوار ذلك كله الصور المختلفة لدرية شفيق مع رئيسة وفد إسرائيل نقلاً عن الصحف الإيطالية، كما نشرت صورة زنكغرافية لمقال نشرته بعض الصحف الإسرائيلية الصادرة في تل أبيب باللغة العبرية، وكانت صورة درية شفيق وهي تحادث مندوبة إسرائيل تزين المقال المذكور، وقد جاء في هذا المقال بعد ترجمته: "إن تل أبيب تتوقع أن الحوادث المقبلة ستزيد مكانة درية شفيق شأنا ورفعة" (1).
__________
(1) "الحركات النسائية في الشرق وصلتها بالاستعمار" لمحمد فهمي - دار الأعتصام (ص 28 - 50).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق