الخميس، 30 أكتوبر 2014

* الدكتور زكي نجيب محمود يسخر من الشريعة وينكر الغيب ويهاجم الحجاب ويدعو إِلى وحدة الوجود:



* الدكتور زكي نجيب محمود يسخر من الشريعة وينكر الغيب ويهاجم الحجاب ويدعو إِلى وحدة الوجود:
"قد بدا في السنوات الأخيرة أن الأضواء كلها قد ركزت تمامًا على  الدكتور زكي نجيب محمود كقائد لهذه الكتيبة التغريبية وقد مهد الدكتور لذلك بأن أعلن أنه أعاد النظر في التراث الإسلامي (وأسماه العربي) في محاولة لخداع البسطاء ولتغطية ماضٍ طويل في الفكر المادي كانت قمته كتابه المعروف (خرافة الميتافيزيقا) أي بمعنى صريح إنكار مفهوم الغيب الذي جاء به الإسلام والادعاء بأنه خرافة. وإنكار كل ما سوى المحسوس والمعقول متابعة في ذلك للمذهب الفلسفي الذي اعتنقه طوال حياته مقلدًا في ذلك فيلسوفًا أوروبيًا ماديًا ملحدًا ينكر الأديان المنزلة ويفاخر بأنه يمثل مدرسته (أوجست كونت). وفي طريق كسب الأنصار والتقرب إلى الشباب الواعي المثقف يتحدث الدكتور زكي نجيب محمود عن الإيمان بالله وعن الإيمان باليوم الآخر، وعن أعلام التراث: الغزالي وغيره، ذلك كله محاولة لإلقاء حاجز بين الماضي والحاضر وإحراز الثقة التي تمكنه من بث لمفاهيمه وآرائه.
ونحن لا نتهم أحدًا في عقيدته ولا نتعقب للعورات ولا نلتقط ما تتكشف عنه السرائر من وراء الوعي ولكننا نقرر بداءة بأن المنهج الذي يدعو إليه زكي نجيب محمود معارض لمفهوم الإسلام الصحيح من جوانب عديدة وخاصة بالنسبة لتلك القضية الكبرى التي يثيرها في كل كتاباته وهي مسألة العقل والعقلانية، فالإسلام لا يعطي العقل هذا السلطان المطلق كله، ولا يقر مثل هذا المعنى. وإنما يرسم للعقل طريقًا كريمًا في ضوء الوحي. والعقل في الإسلام مناط التكليف ولكنه ليس حكمًا على كل شيء؛ ذلك لأن العقل أداة تصلح إذا صلح تكوينها وتفسد إذا فسد تكوينها. وهي إن امتدت بالوحي أضاءت وأشرقت عليها أنوار الفهم. أما إذا اهتدت بالفكر البشري فإنها تكون بمثابة أداة تبرير لكل أهواء النفس.
فالعقلانية بالمعنى الذي يدعو إليه زكي نجيب محمود نظرية مادية صرفة ومرفوضة تمامًا. وإذا كان هو وجماعة المستشرقين والتغريبيين يعتزون من التراث بالجانب الخاص بالمعتزلة فإن هذا الأعتزاز لا يمثل إلا انحرافًا في مفاهيم الفكر الإسلامي. فالمعتزلة خرجوا عن مفهوم الإسلام الجامع المتكامل بين العقل والقلب والروح والمادة، والدنيا الآخرة. وأعلوا مفهوم العقل.
فانحرفوا وتحطموا وحكمت عليهم الأمة كلها بأنهم خرجوا عن مفهوم الإسلام الصحيح حين دعوا إلى خلق القرآن واستعدوا الخلفاء على المسلمين والعلماء. وقد هزمهم الله شر هزيمة على يد الإمام أحمد بن حنبل، وأعاد للإسلام مفهومه الأصيل الجامع.
والموقف نفسه يقفه الإسلام بالنسبة للدعوة إلى التصوف كمنطلق وحيد لفهم الحياة والأمور من خلال الحدس والروحانيات وحدها ولقد كان هوى زكي نجيب محمود في دراساته في التراث مع ذلك المفهوم العقلاني الذي انحرف عن مفهوم الإسلام الجامع، والذي استمد مادته من الفلسفات اليونانية الوثنية المادية، والإلحادية الإباحية التي غامت سحابتها على الفكر الإسلامي ثم انقشعت تحت تأثير أضواء المفهوم القرآني الأصيل.
- كذلك فإن مفهوم الدكتور زكي نجيب محمود للألوهية مفهوم ناقص وقاصر لا يمثل مفهوم الإسلام (على النحو الذي أورده في مقاله في الهلال).
لقد مرت البشرية بمراحل كثيرة في فهم الألوهية ناقصة ومنحرفة وجاء الإسلام بالمفهوم الجامع الحق فلم يعد هناك مجال لإعادة ترديد هذه المفاهيم بعد مرور أربعة عشر قرنًا على نزول دعوة التوحيد الخالص.
إن الذي يقبله شباب الإسلام اليوم من الباحثين هو مفهوم الله الحق لا مفهوم الآلهة كما فهمه الوثنيون أو المعددون، أو المشركون الذين كانوا يؤمنون بالله خالقًا ولا يؤمنون به مصرفًا للأمور كلها .. وقد جاء الإسلام ليكشف هذه الحقيقة وحدها، ويدعو إليها: (إسلام الوجه لله).
أما مفهوم الإيمان بالله على النحو الذي كتب عنه الدكتور زكي نجيب محمود فهو مفهوم عرفه المشركون، ولم يقبله منهم الإسلام. ولعل من أكبر الخطأ عرض مفهوم أرسطو وأفلاطون في الألوهية ومحاولة تفسيره بمفهوم الإسلام مع أنه كان أبعد ما يكون عن ذلك، بل إن القرآن الكريم دحض كثيرًا من مفاهيم أرسطو وأفلاطون والفلسفات اليونانية والوثنية والغنوصية لنقصها وقصورها. وخاصة ما ادعاه هؤلاء من أن الله تبارك وتعالى يدير ظهره للكون ولا يعلم الجزئيات، وأن المادة خالدة، إلى غير ذلك من تلك التفاهات، بل إن مفاهيم أرسطو وأفلاطون للألوهية تدخل تحت ما أسموه (علم الأصنام) فكيف يقدم هذا المفهوم للشباب المسلم اليوم على أنه مفهوم الألوهية الحقة؟! ولقد كشف علماء المسلمين منذ وقت بعيد فساد مفاهيم الفكر البشري ونقصه. وكيف أنها منحرفة. وكيف أن الله تبارك وتعالى يعلم الأمور كلها {وما تسقط من ورقة إِلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس}.
وأن هذا الكون ليس مخلدًا، ولا باقيًا، وأن له نهاية كما كانت له بداية، وأن الله تبارك وتعالى يمسك هذا الكون لحظة، ويديره ساعة بعد ساعة، وأن كل ما يقوله الفلاسفة هراء.
المسملون يعلمون أن الكتب المنزلة حرفت وغيرت مفهوم الألوهية الحقة (الله رب العالمين) فنسبه البعض إلى أنفسهم وقالوا: إنه رب الجنود وربهم وحدهم. وقال الآخرون بأن لله ولدًا وكذبوا {ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه}.
وليس مفهوم الألوهية صحيحًا، ولا كاملاً إلا في الإسلام وحده فهو مفهوم إسلام الوجه لله {إِياك نعبد وِإياك نستعين}.
ولقد حاول الفكر البشري أن يزيف مفهوم الألوهية الحقة. وأخطأت الماسونية حين قالت: "المهندس الأعظم"، وهناك انحرافات الباطنية والماديين والوجوديين ودعاة وحدة الوجود والحلول والاتحاد على النحو الذي عرف عن كثيرين. وهناك مفهوم الإسلام بوصفه دينًا لاهوتيًا. والحقيقة أن المطلوب ليس إثبات وجود الله تبارك وتعالى ولكن المطلوب معرفة حقيقة هذا الوجود بعيدًا عن هذه المفاهيم المنحرفة ويستتبع الإيمان بالله تبارك وتعالى، الإيمان بشريعته.
- ولكن الدكتور زكي نجيب محمود لا يلبث أن ينتقص من شأن هذه الشريعة ويصفها بأنها قاصرة ومجافية للعصر ويطالب بتخطيها في سبيل تحقيق المعاصرة، وهو يقبل بالحضارة الغربية كما كان يقبل بها سلفه طه حسين (حلوها ومرها وما يحمد منها وما يعاب) فما عرف عنه أنه دعا المسلمين إلى أخذ العلوم مثلاً دون أسلوب العيش، ولكنه يدعو إلى شيء غريب هو أن المسلمين ليس لهم فلسفة حياة وهو ادعاء باطل وظالم.
فيكف يمكن أن يقال لأصحاب القرآن الذي وضع منهجًا للحياة والمجتمع غاية في الأحكام جربته الشعوب والأمم ألف عام فأقام لها حياة الرحمة والعدل والإخاء البشري. كيف يمكن أن يقال لهذه الأمة إنها لا تمتلك منهج حياة؟!!.
وكيف يقبل وهو العقلاني الحصيف هذا المنهج الذي يعيشه الغرب سواء الغرب الليبرالي أم الماركسي في ذلك الخضم العفن الفاسد المتآكل من الشهوات والإباحيات والانحراف والتحلل والغرابة بشهادة كُتَّاب "الغرب والشرق على السواء".
وكيف يغضي وهو الأمين على الكلمة عن أزمة الحضارة وأزمة الأنسان الغربي. وقد قرأ عشرات من الكتابات آخرها ما كتبه (سلجوستين) ودمغ به حضارة الغرب التي يكبرها زكي نجيب محمود وحسين فوزي وتوفيق الحكيم. ويفخرون بها ويغوصون بأقلامهم في تلك الحمم من الدماء والعفن  والفساد. وهم يقولون لا إله إلا الله على الأقل وراثة، ويرون كيف يقدم الإسلام ذلك المنهج النقي الطاهر الأخلاقي الكريم الذي يرفع من قدر الإنسان. وكيف يحق لأمة تحمل لواء القرآن (ألف مليون مسلم) أن تتخلى عن رسالتها في تبليغ كلمة الله الحق إلى العالمين وتنصهر في بوتقة الأمية والحضارة المنهارة التي تمر بآخر مراحلها.
وهل من الأمانة أن يدعو هؤلاء أمتهم إلى هذا وهم روادها والرائد لا يكذب أهله ولا يغشها. إن مسئولية القلم وريادة الفكر وهي أضخم المسئوليات عند الله تبارك وتعالى يوم الحساب. وقد كان أولى بهم جميعًا أن يصدقوا أمتهم النصح ويدعونها إلى أن تقيم حضارة الإسلام مجددة في إطار (لا إله إلا الله) والأخلاق والرحمة والإخاء الإنساني وأن يلتمسوا أسلوب العيش الإسلامي ليقدموا للبشرية نموذجًا جديدًا نقيًا تتطلع إليه النفوس والأرواح اليوم بعد أن عم الفساد البلاد الغربية كلها من جديد. ولن يكون غير الإسلام. وسوف يدمغهم التاريخ بأنهم كانوا روادًا غير مؤتمنين على الأمانة، وسوف تكتب أسماؤهم في سجل الذين عجزوا عن أن يقولوا كلمة الحق، وأن ينصحوا لأمتهم وهم الذين عاشوا حياة الغرب، وعرفوا فساد مناهجه وأساليب حياته، وعرفوا أن هذه الأمة الإسلامية الكريمة على الله أعز من أن تسحق في أتون الشهوات وأن تدمر بأيدي أبنائها ودعاتها الذين تلمع أسماؤهم وتخدع الناس شهرتهم.
- إن الدكتور زكي نجيب محمود قد أخطأ الطريق حين فهم التراث الإسلامي ذلك الفهم الذي جعله يكرم أمثال (ابن الراوندي) و (مزدك)، و (ماني)، و (الحلاج) و (الباطنية)، و (الشعوبية) و (إخوان الصفا) وتلاميذهم.
كذلك فهو مؤمن بمجموعة من المسلمات الخاطئة من عصارة مفاهيم الفكر البشري الوثني المادي فضلاً عن أن إيمانه بالعلم والعقل وحدهما وهو في مفهوم الإسلام قصور شديد عن المفهوم الجامع.
- وإني لأسال الدكتور زكي نجيب محمود: هل يؤمن بالوحي؟ هذا هو مقطع المفاصلة بيننا وبينه. وإذا كان يؤمن به فلماذا لم يعلن فساد منهج كتابه "خرافة الميتافيزيقا"، ولماذا لا يؤمن بهذا الوحي الذي جاء به القرآن شريعة ومنهج حياة؟
وإذا كان الدكتور زكي نجب محمود قد تراجع عن "خرافة الميتافيزيقا" وغيرها من آرائه. أليس من الشجاعة أن يعلن ذلك صراحة حتى يستطيع أن يكسب إلى صفه بعض الناس.
إن محاولة افتعال مكانة طه حسين اليوم هو أمر مضيع. فقد انتهى ذلك العهد وصحا الناس وخطت حركة اليقظة الإسلامية خطوات واسعة فكشفت عن فساد تلك النظريات والأطروحات الزائفة التي قدمها الآباء العتاة الذين كانوا يستقبلون أبناءنا في الجامعات الأوربية وهم من اليهود أمثال مرجليوث ودوركايم وغيره.
ْأما قول الدكتور زكي نجيب محمود أن الثقافة الإسلامية في العصر العباسي قد اغترفت ثقافات الدنيا بغير حساب فهو قول باطل. لقد وقفت الثقافة الإسلامية موقف التحليل والغربلة لكل ما ترجم، وأخذت منه ما وجدته صالحًا ومطابقًا لمفهوم التوحيد الخالص. أما ما عدا ذلك فقد رفضته وشنت عليه حربًا عنيفة، وأخرجت دعاته من طريق الفكر الإسلامي فأطلقت عليهم اسم (المشاءون المسلمون) إعلانًا لتبعيتهم للمشائين اليونانين، ولم تقبل منهم ما جاءوا به.
وأعلن المسلمون أن منهج اليونان أو منهج الغنوصية الشرقي كلاهما باطل وأن للإسلام منهج خاص مستقل كما نفعل نحن اليوم إزاء ما يقدمه التغريبيون من فكر الشرق والغرب مما هو ليس مقبولاً في الإسلام بحال.

كذلك فإن نظرية زكي نجيب محمود بالتوفيق بين المترجم الوافد الغربي وبين المجدد من التراث الإسلامي (وهو ما يسميه بالعربي استنكارًا) هذه نظرية ليست مستحدثة بل هي نظرية طه حسين وهيكل والزيات وغيرهم .. وهي نظرية اتضح بطلانها. أما ما تعارفت عليه اليقظة الإسلامية فهو أن يقوم أساس إسلامي أصيل من مفهوم الإسلام الجامع (بوصفه منهج حياة ونظام مجتمع) وفي ضوئه يحاكم التراث كله والوافد كله، ولا يقبل إلا ما يزيد المنهج قوة ودعمًا مع الاحتفاظ بأسلوب العيش الإسلامي (عقيدة وشريعة وأخلاقًا) ودعوى زكي نجيب بالمواءمة مرفوضة. فالمسلمون على استعداد للتضحية بالتقدم المادي في سبيل الاحتفاظ بالقيم الأساسية التي هي في حقيقتها ليست معوقة للتقدم المادي، ولكنها حائلة دون فساد الحضارة الغربية وزيفها وانحلالها الذي يود هؤلاء القوم إغراق هذه الأمة فيه والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
يتابع الدكتور زكي نجيب محمود دعوته إلى "التغريب" في مقالات أسبوعية محمومة على نفس مفهوم الدكتور طه حسين (أن نأخذ الحضارة حلوها ومرها) ولكنه لأن الوعي الإسلامي أصبح قويًا يتنازل عن فكرته التي ظل يدافع عنها ويدعي أنه قرأ التراث وأنه يقبل -فضلاً منه ومنة- أن نأخذ التراث ونأخذ حضارة الغرب، أما الأخذ من الغرب فهو بدون تحفظ، إما التراث فيمكن أن نأخذ منه ما يتفق مع العصر، إن كلمة التراث التي يستعملها عملة زائفة ومغشوشة، لأنه يجعلها بديلاً للإسلام (القرآن والسنة).
فهو يضمها جميعا تحت كلمة (التراث) مع أن التراث هو العمل البشري الذي قام به المسلمون في تفسير وشرح القرآن والسنة تحت اسم الفقه وتحقيق السنة وتفسير القرآن وغيره من العلوم.
- إن الدكتور زكي نجيب محمود لم يطور نفسه كما ينبغي ليصبح مقبولاً لدى الشباب المسلم اليوم؛ لأنه ما زال يكتب بأسلوبه الجاف الذي أنشاته دراسته للفلسفة (الوضعية المنطقية) فلا يستطيع أن يخرج منها ويقف الجفاف عثرة أمام دعوته، يقول: (المصدر الذي استقيت منه معظم ثقافتي هو الثقافة الأوربية بصفة عامة والإنجليزية بصفة خاصة)، وقد لبثت مع الأسف الشديد طويلاً وأنا لا أعرف من التراث العربي إلا شذرات، حتى تنبهت له منذ سنوات.
- نعم، لقد كان لا بد أن يتحدث عن التراث (ليخدع) أناسًا مثل الذين خدعهم طه حسين حين كتب (هامش السيرة) إن القيادات التغريبية تريد أن تجعل الأمور أكثر يسرًا، ولكن زكي نجيب محمود لم يطور نفسه كما ينبغي مع تطور اليقظة الإسلامية من ناحية ومع تطور الفكر الإنساني نفسه وظهور عوامل كثيرة تجعل الغرب يعيد النظر فى فكره، إن زكي نجيب محمود لا ينظر إلى الظواهر الخطيرة التي تبدو في كتابات فيلسوف العصر جارودي والطبيب بوكاي .. ويصر على قديمه ويعد الأساليب خدعة مع بقاء المضمون الذي يملأ نفسه في عناد.
إنه يتحدث عن العلم وهو يعني الفلسفة، إن ما يدعو إليه ويسميه العلم ليس هو العلم، فالعلم هو ما يجري في المعامل، أما الفلسفة فهي محاولات الخداع بفرض الفلسفة المادية في ميادين العلوم الإنسانية والأخلاق والاجتماع والنفس.
وإصراره على "تقديس العقل" يوجد له نفورًا شديدًا في بيئة الإسلام، ذلك لأن الإسلام لا يقدس العقل، ولكنه يؤمن بأن العقل مناط التكليف ولكن له حدوده وهو يهتدي بالشرع ولا يستطيع أن ينفرد بتوجيه؛ لأنه إذا وكل إليه الأمر أخطأ وانحرف؛ لأنه في الحقيقة ابن بيئته التي شكلته وليس له قدرة استقلالية في الحكم على الأمور، وهو مدخل كبير للهوى والزيف والانحراف.
إن زكي نجيب محمود يخطئ حين يدعو المسلمين إلى أخذ التكنولوجيا والعلوم الحديثة مفروضة مع فكرها، والمسلمون لا يأخذون إلا أدوات الحضارة ولهم أسلوب عيش خاص بهم، وكذلك فعل الغربيون حين أخذوا أدوات الحضارة من مسلمي الأندلس.
كذلك يخطئ حين يظن أن المسلمين أخذوا ثقافة اليونان وبنوا عليها فكرهم (وقولي: أن الثقافة الإسلامية أخذت بغير حساب كل ما عرفته الدنيا من ثقافات وأجرتها في شرايينها) قول باطل فهي حين أخذت غربلت ونقدت وكشفت وجه الخطأ وكل ما أخذته إنما أخذته كمادة خام لها حرية تشكيلها في إطار مفهومها الإسلامي الذي يختلف عن إرجانون اليومان الذي يقوم على العبودية والرق بينما يقوم مفهوم الإسلام على التوحيد والعدل والإخاء البشري.
وكما تخطئ مفاهيمه للعقل تخطئ مفاهيمه للتقدم (الذي هو عند المسلمين جامع بين المعنوي والمادي ولا يضحى بالمعنوي من أجل المادي) ومفهومه للأصالة والمعاصرة ناقص من حيث يقول: لا بد من مصدرين هما التراث وحصاد الفكر الأوربي، وتلك معادلة فوق أنها ساذجة لم يعد يقبلها الآن أحد فهي باطلة، فما هو التراث (هل هو تراث الباطنية والمعتزلة والشعوبية الذي أغرم به زكي نجيب محمود فعاش مثلاً فترة يدرس مسيلمة الكذاب كما قال في الجزائر وهل تكفي عبارة (حصاد الفكر الأوربيَ) لقبوله بكل ما فيه من سموم وفساد وانحلال، إنه لا يتحدث عن أي تحفظ عندما يتحدث عن حضارة العصر فهو يقبلها كاملة، ونقول للدكتور زكي: إن هذه المعادلة لم تعد مطروحة اليوم، وكان يقول بها البسطاء من المفكرين المسلمين قبل خمسين سنة عندما لم يكونوا قد اكتشفوا المؤامرة التي تبحث عن العبارات الساذجة، كذلك لم يعد هناك هذا التقسيم الذي يتحدث عنه جماعة يسدون الأبواب في وجه الثقافة الأوربية وجماعة يدعون إلى امتصاص الثقافة الأوربية، بل إن هناك إجماع على شيء واحد: هو عرض التراث الوافد جميعًا على قاعدة "بناء الأساس الإسلامية" القائمة على الإسلام بمنهج حياة ونظام مجتمع وماذا يقصد زكي نجيب محمود حين يقول: "الرأي نأخذه من غيرنا، فنحن أتباع لا أصحاب آراء مستقلة" من هم غيرنا، هل هو القرآن والسنة، أم هم العرب الذين نزل عليهم، الحقيقة أننا نؤمن منهج رباني له أسسه وقوانينه وحدوده وضوابطه ولا يكون هناك حين نأخذ من الإسلام الرأي أي انتقاص لوجودنا وكياننا؛ لأننا لا نؤمن بأن لا كيان لنا بدونه وهي عبارة يلوكها التغريبيون ليخدعوا بها بعض البسطاء الذين يتحمسون للتبعية، أي تبعية: هل التبعية للإسلام خير أم للغرب الملحد المادي الوثني الذي يستخدم هذه الأقلام وتلك الصحف المفتوحة أمام ثرثرتهم التي أصبحت غثة وتافهة - ومن أخطائه: قوله: أن المسلمين استخدموا منطق أرسطو في فهم الإسلام وهذا الخطأ جرى تصحيحه منذ وقت بعيد، وقد أعلن علماء المسلمين أن للقرآن منطقًا (وليقرأ إن شاء ابن تيمية في منطق القرآن لا منطق أرسطو) وهو يغض من شأن إبداع المسلمين وأصالتهم في تقديم منهج التجريب ومنهج المعرفة ذي الجناحين من أجل أن يربط ولاء كاذبًا مع المدرسة اليونانية بولاء متجدد يراد به مع المدرسة الغربية.
وأخطر تمويهاته هي أنه يتكلم عن العلم وهو يقصد الفلسفة كما فعل طه حسين من قبل، إن كل ما يتكلم عنه زكي نجيب محمود لا يدخل في باب العلم، إن العلم لم ينحرف عن الإيمان بالله ولا يطالبنا بالتبعية ودعوته (الوضعية المنطقية) تدور في حلقتها الموصدة عليه حياته كلها وقد تجاوزتها الفلسفات والأحداث في الغرب ولكنه ما زال مصرًا عليها وهي عنده (إنكار الغيب) على نحو ما كتب في (خرافة الميتافيزيقا) ويقوم علي الواقع التجريبي المحسوس وإنكار ما سواه، والإيمان بالجبر الذاتي والاحتكام الصارم إلى العقل (صنيع الظن وما تهوى الأنفس).
والوضعية المنطقية منهج مؤداه أن يستخدم العقل وحده وهو مذهب يريد أن يفسر الكون ويفسر الإنسان مع إنكاره ما وراء الطبيعة، وإذا شاء أن يتحدث عن الله تبارك وتعالى كانت عباراته هي عبارات أصحاب وحدة الوجود والحلول.
- وهو يتناقض مع نفسه في رأيه في التراث فيقول: إن العودة إلى الشريعة الإسلامية رجعية، فالعلمانيون الذين لا يؤمنون بالغيب مجددون، والمؤمنون الذين يصلون الماضي بالحاضر رجعيون، فالعودة إلى المنابع رجعية والتقدمية هي الانسلاخ من القيم الخلقية وهذه مفاهيم معكوسة.
- وفي جملة الأمر نجد العناصر التالية في فكر زكي نجيب محمود:
أولاً: التبعية للفكر الغربي ومحاولة احتواء المسلمين في إطاره لقبول فكر الغرب لا المدنية والصناعة.
ثانيًا: إحياء التراث الذي كتبته الباطنية والشعوبية.
ثالثاً: اعتماد (الوضعية المنطقية) التي هي فلسفة الرأسمالية التي تبرر سيطرتهم على الشعوب.
رابعًا: تقديس العقل مما يعارض مفهوم الإسلام الجامع بين العقل والقلب، والروح والمادة.
إن قضية سلطان العقل قضية مضللة وقد رفضها الإسلام من المعتزلة قديمًا.
خامسًا: الجمع بين التراث والمعاصرة، تراث ينتقى، وفكر غربي يؤخذ كله.

سادسًا: السخرية من الشريعة الإسلامية واعتبار عقوبة قطع اليد أمرًا وحشيًا يهدد كرامة الآدميين مع عدم فهم الحقيقة من وراء ذلك وهي: الحيلولة دون وقوع جريمة السرقة.
سابعًا: مهاجمة حجاب المرأة المسلمة.
ثامنًا: الإصرار على فكرة إنكار الغيب (خرافة الميتافيزيقا).
تاسعًا: تعلقه بأهداب طه حسين وعلي عبد الرازق ومحمود عزمي وجميع الملاحدة واعتبار نفسه إمتدادًا لهم.
عاشرًا: مفهومه الديني هو مفهوم وحدة الوجود الذي يؤمن به ميخائيل نعيمة. والذي يختلف عن مفهوم الإسلام الحق.
لم يكن الدكتور زكي نجيب محمود معروفًا في الأوساط الفكرية إلا بأنه أستاذ فلسفه في الجامعة، يعتنق مذهب "الوضعية المنطقية"، وهي النظرية المادية التي حمل لواءها في الفكر الغربي أوجست كونت وكان معروفًا أن كل واحد من أساتذة الفلسفة يعتنق مذهبًا ما، فكان عبد الرحمن بدوى يعتنق مذهب الوجودية، وفؤاد زكريا يعتنق مذهب المادية التاريخية، وهكذا ولكنا لم نلبث بعد وفاة الدكتور طه حسين إلا قليلاً حتى طلع علينا الدكتور زكي بمقولة جديدة: أنه كان غافلاً عن التراث (ويسميه العربي وليس الإسلامي)، ولكنه تنبه إليه أخيرًا فدهش لأنه قضى العمر الطويل دون أن يعرف عنه شيئًا فلما أخذ في مطالعته دهش له. ومن ثم بدأت صلته بالفكر الإسلامي، وهناك أطلق نظريته الأنتقائية التي يرى فيها أن دعاة الباطنية والحلول والاتحاد وغيرهم هم أصحاب الفكر الحر وكان من رأيه أن علينا أن نأخذ من التراث ما نراه مناسبًا لعصرنا وندع ما لا نراه مناسبًا، وكان كل مفاهيمه يصدر عن النظرية المادية الغربية التي نشأ عليها وتربى في أحضانها والتي أصدر من خلالها كتابه "خرافة الميتافيزيقا" أي خرافة الغيب، وهو كتاب لم يرجع عنه

ولم يعلن فيما بعد أنه قد غير رأيه فيه.
ولم تكن نظريته متقبلة في دوائر الفكر الإسلامي؛ لأنه لم يكن يؤمن أساسًا بأن الإسلام منهج حياة أو نظام مجتمع وكان موقفه من الألوهية والنبوة والوحي غامضًا ولم يكن مفهوم أهل السنة والجماعة.
- وكانت بعض الجهات قد أعلنت أن الدكتور زكي نجيب محمود قد اختير ليخلف الدكتور طه حسين في قيادة حركة التغريب والغزو الثقافي، ولكن كان على الدكتور أن يجعل كتاباته متقبلة في نظر القرّاء، وعند ذلك أعلن بعض التنازلات، فأخذ يتكلم عن الدين وعن عظماء الإسلام وعن بعض المواقف التاريخية على نحو يخدع به البسطاء الذين يسارعون إلى القول بأن الكاتب الفلاني يذب عن الإسلام وهي نفس الخطة التي اختارها التغريب للدكتور طه حسين بعد مواقفه الواضحة، ضد القرآن والإسلام حين أعلن عن كتابه "على هامش السيرة".
- ولكن الدكتور زكي نجيب محمود يختلف اختلافًا واضحًا عن الدكتور طه حسين فهو لا يملك ذلك الأسلوب الموسيقي الرنان الذي يجذب القراء؛ لأنه ليس أديبًا، وليست له حصيلة من القرآن والسنة أو قراءات التراث تؤهله ليكون في مصاف الدعاة القادرين على اجتذاب الناس بأسلوبهم البليغ، فضلاً عن ذلك فإن الدكتور زكي نجيب محمود يحمل طابعًا من الحدة والعنف والعناد، لا يليق بالدعاة إلى حدّ ما، فإن طبيعة الدعاة حتى إلى الغزو الفكري والتغريب أن تكون لهم مرونة في الحديث وخفة في الخطو، وأن لا يصدموا مشاعر الأمة، وخاصة عندما يجابه الواحد منهم بالرد الكاسح الغاضب لمخالفته للأعراف الإسلامية أو تجاوزه لما يراه الناس حقًّا، وقد ظل الدكتور زكي نجيب يتخبط، وقد فتحت له أكبر الصحف صدرها، ومنعت نشر أي رأي مخالف أو معارض أو مناقش له، وهذا ما لم يكن من طبيعة هذه الصحيفة في تاريخها كله، لقد أفردت له أكبر الصحف الصفحات واسعة، يصول فيها ويجول، بأسلوب جاف فلسفي، وحوار مغرب تضيق به الصدور، وينصرف عنه الناس بعد سطور قليلة، فكيف يمكن أن يكون الدكتور زكي نجيب محمود عميدًا للتغريب أو خليفة للدكتور طه حسين، ثم هو حين اصطدم به الناس في (قضية الحجاب) كشف عن قصوره التام عن أداء دوره المرسوم، وانكشف عجزه عن مسايرة الناس أو اقناعهم وسرعان ما تعرى ذلك (القناع) الذي يلبسه فإذا هو كاتب عنيف جاف لا يصبر على القول المرفوض والدنيا كلها من حوله تشيح عنه، وما هكذا عهدنا الدعاة، وإننا لنؤكد أن الدكتور زكي نجيب محمود قد سقط في الامتحان وأنه عجز عن أن يحمل لواء زعامة التغريب وعمادة الغزو الثقافي خلفًا للراحل طه حسين، وأنه إذا كان يظن من نفسه أنه زعيم فكر فما هو كذلك، وما كان ذلك يومًا، وما هكذا تساق الأبل يا سعد، وكيف برجل يهاجم تيارًا قويًا كاسحًا، سليمًا صادقًا، مرتبطًا بالفطرة، متصلاً بالإيمان، كيف يمكن أن يصور هذا التيار على أنه تخلف وهل بلغت المغالطة إلى هذا الحد، وهل يمكن أن ينتصر دعاة التغريب في معركة حاسمة كهذا في مواجهة قيم الأمة ودينها وأخلاقها، ما هكذا يمكن أن تقاد حركة التغريب، وما هكذا يمكن كسب الأنصار بإغاظة الناس وإبراز مكنونات النفس الخفية الممتلئة كراهية للإسلام، والحقد على أهله، والرغبه في تدمير قيمه، وما كان صاحبكم كذلك بل كان يستطيع أن يخفي أحقاده، حين يتحدث وكأنه من المؤمنين أم أن حركة التغريب قد غيرت من أساليبها فانتقلت من إقناع الناس إلى إغاظتهم، ومن كسبهم، إلى سبهم، نحن نعلم أن حركة اليقظة الإسلامية الآن تسير في طريق مختلف وأن أساليب التآمر على عقيده الأمة لم تعد تخدع أحدًا، ويخيل إليَّ أن دعاة التغريب يلقون بآخر سهامهم في يأس غريب، وفي إحساس بالفشل ولكن أما كان يمكن أن يكونوا أكثر تجملاً،على كل حال، لقد كشفوا أنفسهم وخلعوا الثوب الخادع الذي كانوا يتسربلون به حتى يظن الناس أنهم من المصلحين ومن الناصحين المخلصين لهذه الأمة وبان تمامًا وبما لا يدع مجالاً للشك أنهم ظالمون لأنفسهم غاشون لأمتهم وأنهم يسيرون ضد تيار التاريخ واليقظة والصحوة، وتلك نهايتهم مهما أفسحت لهم الصحف صفحاتها ومهما كان لأسمائهم شهرة ولمعان خادع لم يعد يخدع أحدًا" (1) اهـ.
__________
(1) "جيل العمالقة" (ص 188 - 201).




الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

* توفيق الحكيم من أكبر كتّاب التغريب:



* توفيق الحكيم من أكبر كتّاب التغريب:
استقطبت الصحافة العربية عددًا كبيرًا من كتاب التغريب الذين كانوا عدتها في سبيل تبرير مفاهيم الإقليمية والفرعونية والتنكر لمفاهيم الوحدة الإسلامية وترابط العروبة والإسلام، وكان في مقدمة هؤلاء توفيق الحكيم ولويس عوض وحسين فوزي.
وما يزال توفيق الحكيم منذ الثلاثينات يحمل لواء التفرقة بالتجهيل للعرب والإعلاء للمصرية طوال أكثر من خمسين عامًا. وهي تفرقة لا تقوم على أساس علمي، وإنما تعتمد شبهات المستشرقين وخصوم العرب والإسلام، فتوفيق الحكيم يدعي أن هناك شخصية مصرية مميزة عن الشخصية العربية الإسلامية، ويرى بين المصرية والعروبة خلافًا بل وتضادًا .. حتى يقول: "إن مصر والعرب طرفا نقيض"، وهي نفس الدعوة التي حملها طه حسين ومحمد عبد الله عنان وسلامة موسى. ويحملها اليوم لويس عوض وبطرس بطرس غالي وكثيرون من المتأثرين بالتاريخ القديم السابق للإسلام والذين يتجاهلون ما أثبته المؤرخون من "الانقطاع التاريخي" بين مصر الإسلامية العربية وبين ما قبل ذلك.
وكل الذين يفاخرون بميزات لمصر يجهلون أن مصدر هذه الميزة هي تلك الموجات العربية المتوالية التي أخرجتها الجزيرة العربية وأهمها الموجة الإسلاميةالتي حملت معها مفهوم التوحيد الخالص، وهم يجهلون ذلك الترابط الوثيق الذي أوجده دين الحنيفية السمحاء: دين إبراهيم الذي عم وشمل كل هذه المناطق بدعوة الإسلام الأولى التي صدرت عنها من بعد رسالات الأنبياء موسى وعيسى ومحمد.
فلماذا هذا الأستعلاء العنصري بالمصرية المستمدة من الفرعونية، وقد أثبت المؤرخون أن الفراعنة عرب أصلاً، وأن جميع الموجات الفينيقية والآشورية والبابلية كلها موجات انبثقت من قلب الجزيرة العربية، وأن كل معطيات المصريين تتلخص في أمرين: العقيدة واللغة ومن ثمارهما القيم والخلق والمقومات، وكلها جاءت من الإسلام والقرآن، فليس هناك في الحقيقة طرف مصري مناقض للعرب، وإنما هي كلمات من المبالغة والتعصب والعنصرية تذاع وتستشري في فترات الضعف، وقد ذاعت إبان الاحتلال البريطاني وتجري اليوم على الألسنة إبان تحدي الاحتلال الإسرائيلي لسيناء، والواقع أن الجامع الحقيقي هو الإسلام، وليس العروبة، وليست المصرية إلا دعوة مشابهة لدعوات الإقليمية التي تتحرك على أفق العالم الإسلامي هنا وهناك تحت تأثير موجة القوميات الضيقة الوافدة، ولا ريب أن العالم الإسلامي كله مقبل على الوحدة والالتقاء وأن هذه الدعوات لا تجد لها مجالاً حقيقيًا إلا عند ذوي الغايات القصيرة والأغراض الخاصة.
بل إن مصر إذا عزلت عن العروبة والإسلام فإنها لا تبقى شيئًا سوى تماثيل وأهرامات وأحجار الأقصر ووادي الملوك. وهذا يكذب عبارة توفيق الحكيم الذي يقول: "إن الاختلاط بالروح العربية كاد ينسي المصريين أن لهم روحًا خاصة تنبض ضعيفة تحت ثقل الروح الأخرى الغالبة"، وإني لأتساءل ْماذا كانت أو تكون الروح المصرية الخاصة بدون الروح العربية، أتكون روح فرعون والعبودية والظلم وعبادة الآلهة المتعددة والوثنية المغرقة في السحر:{أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار}.
- ويذهب توفيق الحكيم في هذا الطريق المظلم الموحش إلى أن يدعو مصر إلى أن تكون فندق العالم، أي أن تصبح دارًا مفتوحة لكل السائحين وطلاب الحاجات، وأن تفقد شخصيتها الحقيقية التي شاء الله أن يصنعها لها بالإسلام، وهي حماية المقدسات وحمل لواء الجهاد والمرابطة على هذا الثغر الخطير في العالم.
ولقد كانت أكبر أخطائه، تخبطه بين تأييد الاستبداد الناصري ومحاولة تخلصه منه بعد استقبال عصر جديد، فقد كتب يقول: أن السلطان في الفترة السابقة قتل الحريات وكمم الأفواه وأنه أخضع له الكتاب والمفكرين فجروا في طريقه وأيدوه، ولذلك فهو يطالب بمحاكمة هؤلاء الكتاب ويطالب أول الأمر بمحاكمة توفيق الحكيم نفسه الذي أيد السلطان في هذا الاتجاه. ويقول: أنه جرى في هذا الطريق حتى بعد وفاة عبد الناصر فطالب بإنشاء تمثال ضخم في ميدان عام تقديرًا لعظمة وبطولة ذلك السلطان، وقد جاءته مئات الخطابات المؤيدة لرأيه غير أن خطابًا واحدًا من بينها جاء فيه: صحيح أن السلطان يستحق تمثالاً كبيرًا يناسب شهرته ومكانته ولكن أين يقام هذا التمثال .. ثم اقترح أن يقام هذا التمثال في تل أبيب.
ولقد كان توفيق الحكيم على مدى حياته مضطرًا إلى الخطأ غير كاشف لأبعاد الأحداث فإن انغماسه في الأساطير والقصة الغربية وما وراءها من خيالات قد حال بينه وبين الرؤية الصحيحة لأحداث العصر والمجتمعات.
فهو عندنا دعا إلى الخلاص من الطربوش، دعا إلى اللجوء إلى القبعة، وعندما ضرب الفرنسيون دمشق بالمدافع ونشروا الرعب والعدوان لم يزده ذلك على أن قال:
" لتذهب دمشق ومئات مثل دمشق إلى الهاوية وتبقى فرنسا".وهو الذي قال مرة: إذا لم تكن لنا حضارة فلنأخذ الحضارة الغربية وننتهي.
كل هذا يعطي صورة البساطة والخيال وعدم العمق، في تناول الأمور، ويعطي مفهوم رجل المسرح والرواية والأساطير القديمة الذي يعجز عن متابعة الأحداث. وكل كتاب القصة على هذا النحو.
- يقول محمد المجذوب: كتبه أكبر شاهد على تنكره لمثل أمته حتى ما كان منها متصلاً بالسيرة النبوية ككتابه محمد - صلى الله عليه وسلم - أو مسرحية أهل الكهف، وبه مواطن دسائسه على الرسول.
وفي أهل الكهف: "تحوير شائن لمضمون القصة القرآنية التي قامت على إثبات حقائقها الكتب الدينية السابقة والحفريات الأثرية المعاصرة".
- ولقد كان عمل توفيق الحكيم في الحقيقة قائمًا على إحياء التراث اليوناني والوثني والأساطير (أوديب) وبثها في أفق الفكر الإسلامي، وإحياء مفاهيم الحضارة الفرعونية (إيزيس) وإحياء تراث اليهودية (الملك سليمان) وإحياء مدرسة اللامعقول وأدب اليهودية يونسكو وبكيت (يا طالع الشجرة) والماركسية الاشتراكية. وكان له إلى ذلك كله هدف مبيت دفين هو إفساد التراث الإسلامي وتغيير مضامينه بما كتب معارضًا لما جاء في القرآن سواء في أهل الكهف أو الملك سليمان، وهو يعيش تحت سيطرة مفاهيم الفلسفة المادية ومذهب مدرسة العلوم الأجتماعية والمفاهيم الماركسية التي تقول بالصراع بين العقل والعاطفة، وبين المثالية والمادية، وبين العاطفة والواقعية. ويرى أن هذا الصراع هو جوهر الفن. والحقيقة أن توفيق الحكيم قد غفل عن مصدر ثرِّ لفهم البشرية فهمًا صحيحًا وهو القرآن: ومفهوم التوحيد الخالص الجامع الذي يحول بين البشرية وبين التمزق أو الصراع أو انقسام وحدة النفس المؤمنة الربانية الاتجاه. وقد عمل على ترجمة كل الاتجاهات والمدارس والمذاهب الغربية بخيرها وشرها وما يحسن تقديمه للفكر الإسلامي وما لا يجوز تقديمه، فكانت كتاباته حصيلة مختلطة وركامًا مضطربًا، وقد أفسد أمانة القلم ومسئولية الكلمة حين عجز أن يقدم لأمته خير ما في هذا الفكر من مثل أو أن يدل الناس على حقيقة هذه التيارات وخلفياتها لتكون على بينة مما في هذه الكتابات من سموم وأهواء.
- بل لقد دافع توفيق الحكيم عن تدريس الكتب الإلحادية في الجامعة وقال: "لماذا كل هذا الفزع كلما وقع بصرنا في كتاب على عبارة تمس الإسلام" تحت مظلة حرية الفكر الباطلة، وهو يعلم أن هذا الشباب ليس له من حصيلة إسلامية كبيرة تحميه من الشكوك التي تثيرها هذه الكتب.
- ويحمل توفيق الحكيم مجموعة من المفاهيم الفلسفية المضطربة تجعله غير قادر على الوصول إلى مفهوم الأصالة الإسلامية. فهو يقيم مفاهيم في النفس والمجتمع على الأساطير التي لا تمثل واقع الحياة في شيء كقصة أوديب الذي تزوج أمه. وهو يعتنق مفهوم هيجل في القول بأن التناقض قانون الحياة.
- كما أنه يروج لمفهوم حرية الفنان المطلقة الذي لا يتقيد بقيم الأخلاق أو الدين، كما أنه يقيد نفسه بمفهوم الصراع اليوناني بين الإنسان والقدر وبين إرادة الإنسان وإرادة الله، ويرى رأيهم في أن القوة الخارجية تتحدى الإنسان وتبطش به. ويرى أن الإنسان سجين في إطار معين من الزمان والمكان وأن إرادته ترتطم أحيانًا بكل هذه العوامل، وهو بذلك يجهل مفهوم الإسلام في إرادة الإنسان المحدودة، داخل إرادة الله تبارك وتعالى، والتي هي مناط المسئولية والجزاء الأخروي. وهو في كل آرائه متأثر بالفلسفة المادية والفلسفة الوجودية ومدرسة العلوم الاجتماعية والماركسية على شذرات وشظايا من هنا وهناك متجمعة ومضطربة لا تصل به إلا إلى مفهوم غامض مضطرب.ولعل أخطر مواقف توفيق الحكيم هو هجومه ضد عروبة مصر ونفيه لانتمائها الإسلامي ووجهها العربي. وقد اتهم بأن فكرة حمار الحكيم مأخوذة من فكرة الأديب الأسباني (خمينز)، وقد كانت لتوفيق الحكيم صلاته بالصهيونية العالمية. وفي عام 1943 ترجم له أبا إيبان يوميات نائب في الأرياف إلى اللغة الإنجليزية وفي عام 1947 انتقل توفيق الحكيم إلى تل أبيب والتقى هناك بالفنانين المسئولين عن المسرح ودار الحوار حول مسرحية (سليمان الحكيم) التي استوحى وقائعها من التوراة وعرضوا عليه ترجمة المسرحية إلى العبرية.
ويدعو توفيق الحكيم إلى التعاون الثقافي بين الفكر العربي واليهودي، وإنشاء جمعية عربية إسرائيلية مقرها العاصمة الفرنسية للعمل من أجل السلام. وهكذا تعطي كتابات توفيق الحكيم صورة التخبط والاضطراب وضعف الرؤية العامة، ولو اقتصر توفيق الحكيم على أن يكون من رجال المسرح ومترجمي التراث اليوناني والغربي لكان ذلك خيرًا له، ولكنه حاول أن يكون عن طريق الصحافة من رجال الفكر والرأي فكانت أمانته للتغريب والغزو الثقافي والشعوبية واضحة جلية" (1).
* وختامًا نقول أن توفيق تنكر لأمته حين "وصف إسرائيل بأنها دولة متحضرة" (2)
__________
(1) "الصحافة والأقلام المسمومة" (ص 237 - 241).
(2) "جيل العمالقة" (ص 187).

الخميس، 23 أكتوبر 2014

* توفيق الحكيم ينكر رؤية الله في الآخرة ويخوّل لنفسه أن يتكلم باسم الله:


* توفيق الحكيم ينكر رؤية الله في الآخرة ويخوّل لنفسه أن يتكلم باسم الله:
"منذ أن بدأ توفيق الحكيم كتاباته الأولى كان واضحًا أنه مغرب وأن أمانته للفكر لغربي أكبر من أمانته للفكر الإسلامي العربي وعندما كتب أكبر أعماله: أهل الكهف وسليمان الحكيم، اعتمد على التوراة مصدرًا للقصة، وبذلك جار على مفهوم الإسلام الذي قدمه القرآن الكريم وهو في مختلف القضايا الكبرى المثارة أخذ جانب التغريب (رأيه في العرب، الفن للفن، لا يوجد اليوم شرق، القبعة) وهو الذي عاش في كنف النفوذ الاستبدادي مؤيداً ومساندًا حتى إذا تغير الوضع أعلن موقفًا جديدًا ثم هو الموالي لكل تيار: الاشتراكية، لوجودية، اللامعقول، الفرعونية، اليونانية، وفي القصة انتقل من الواقعية إلى الرمزية، إلى اللامعقول وفي آخر حديث له قال: إن كل أعمالي التي تبت العمر فيها لا قيمة لها، ضيعت حياتي في كتب كان يخيل إلي أن لها قيمة، ربما كانت لها قيمة في الثلاثينات والأربعينات ولكن بعد الخمسينات لا أظن.
ولم يكن توفيق الحكيم إلا ناقل فكر غربي من مختلف مدارس المسرح والقصة وكان للمسرح والقصة اليونانية والغربية بهرًا في مطالع المرحلة، ولكن ثقافة الأمة وذوقها قد تحول، وبدأت أشياء جديدة تأسر العواطف والمشاعر.
أما موقفه من العرب، هذا الموقف الكاره الذي يقوم على انتقاص الأمة التي أختيرت لحمل رسالة الإسلام، بعد أن تهاوت أمانة الرسالة لدى أمم أخرى، فهو موقف مبني من الأمم الحاقدة التي لها ولاء خلف الإغريق والوثنيات، يقول توفيق الحكيم: في مسرحية "شهر زاد" صدى الأفكار الكثيرة التي دوت في ذهني إثر اتصالي بالفلسفة الأوربية. كانت الفلسفة الأوربية في ذلك الوقت تقوم على أن الإنسان هو رب هذا الكون، وأن الله (جل وعلا عما يقولون علوًا كبيرًا) قد مات كما قال نيتشه وأن المتحكم في مصائر البشرية هو الإنسان وحده بحريته المطلقة، ولذلك كانت موجة الالحاد وإنكار الدين تغمر المحيط الثقافي الأوربي عندما ذهبت إلى باريس في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وقد صدم هذه العقلية الشرقية المتدينة التي أحملها فوجدت كل هذه الأفكار المتضادة متنفسًا لها في مسرحية شهر زاد".
- وتوفيق الحكيم الذي يعترف بأولياته ومصادره على هذا النحو هل استطاع أن يتحرر منها بأن يعود إلى أصالته أم أنه مضى منطلقًا في هذا الطريق الذي شقه ومن قبله العلمانيون التغريبيون أمثال طه حسين، ومحمود عزمي، الواقع أن توفيق الحكيم لم يغير طريقه وإنما مضى فيه إلى أبعد الحدود حين وصل إلى الحوار مع الله في السنوات الأخيرة والسخرية من ملائكة الله، ومن ملك الموت على وجه الخصوص في عديد من كتاباته وأحاديثه.
- أما وقائع حياته فهي تكشف عن تبعية واضحة للفكر الغربي فهو من أوائل الدعاة إلى القبعة الأوربية واتخاذ الحضارة الغربية منطلقًا للعرب والمسلمين، وهو الداعي إلى الإقليمية المصرية ذات الطابع الفرعوني الكاره للعرب والمسلمين، وهو صاحب التبعية للنسق الغربي في الأدب والولاء للصهيونية العالمية والتلمودية، وقد تساقطت دعاواه ومذاهبه ومنطلقاته على مدى الأيام حتى أعلن ذلك صراحة في السنوات الأخيرة، ولكن المرحلة الجديدة من أحوال مصر والبلاد العربية جددت فيه الأمل مرة أخرى إلى التشكيك وإثارة البلبلة واقتحام مجالات لا يحسنها، وعرفت عنه تقلباته المتوالية، فبعد أن نعم بالعصر الناصري، عاد فأعلن هجومه عليه، ثم فعل كذلك مع السادات- قد وصف توفيق الحكيم في هذا المجال بالانتهازية، وقيل له: هل نسيت ما قلته مدحًا في عبد الناصر وعهده فلما ولى هاجمته هجومًا مريرًا في كتابه "عودة الوعي" وخلص إلى نتيجة مؤداها أن هذا العهد قد جر الخراب على مصر وعمم الإرهاب واعتذر لنفسه بأنه كان فاقد الوعي لا يدري ما كان يحدث ويجري.
- ويقول أحد المعلقين: ولعل التربية غير السوية انعكست على أفكاره وتصرفاته وأسلوب حياته لقد فشل في تربية ولده الوحيد كما أنه فشل في أن يكون أنموذجًا للأب الصالح الذي يعتز به الولد، هذا إلى جانب فشله كأب في أن يتمتع به مع أن الأبناء من متع الحياة الدنيا، وزينتها، لقد مات ولده مخمورًا، قتلته الخمر تحت سمع وبصر والده المفكر الذي تطاول إلى الحديث مع الله، وقد جاء ذلك في اعترافاته التي رواها لمحررة مجلة صباح الخير.
- يعدون توفيق الحكيم الأب الروحي لمدرسة الأهرام التي أنشأها هيكل: (حسين فوزي، وزكي نجيب محمود، ونجيب محفوظ، وإحسان عبد القدوس ويوسف إدريس، وعبد الرحمن الشرقاوي) وهي مدرسة موالية للتغريب والمادية والفكر الإباحي المنحرف، كل على حسب وجهته والتي تمثل ظاهرة العلمانية التي تروج لها وتجعل من صحيفة الأهرام ميدانها والتي تحتمي فيها بنفوذ خطير، يجعل من شأن هؤلاء الكتاب طرح تصوراتهم دون أن تسمح بمناقشتهم أو الرد عليهم.
ولقد كانت أكبر خطاياه ذلك الحوار الذي أجراه وأدخل فيه كلامًا على لسان الله تبارك وتعالى مجترئًا على هذا الجانب، فاتحًا الطريق إلى وجهة خطيرة لم يسبق أن جرؤ كاتب مهما بلغت درجته في التغريب إلى الوصول إليها وعندما ذهب له العلماء يناقشونه قال في صلف غريب: إنه ما زالمصرًا على ما كتب غير مقتنع بأنه أخطأ وقال بالنص: إني لم أرتكب خطأ؛ لأن كلامي مع الله كان صريحًا، وليكن الأسلوب ما يكون ولكني لن أغير كلمة واحدة منه وقد جاء في مقالاته تجاوزات خطيرة:
أولاً: الاجتراء على مقام الله تعالى حيث لا يجوز لمسلم أن يتخيل حديثًا مع الله فهذا اجتراء على مقامه.
ثانيًا: التشكيك في عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ثالثًا: قوله: إن الأديان نسبية ودعوته إلى التسوية بين الأديان السماوية.
رابعًا: الاستشهاد بالأحاديث الضعيفة.
خامسًا: ادعاؤه أن العلماء التجريبيين غير المسلمين يدخلون الجنة.
سادسًا: مهاجمته للغة العربية ودعواه أنه لا يُنتفع بها وأن عصرها قد انتهى.
- كشف توفيق الحكيم عن نفسه في كتاب "زهرة العمر" فقال:
إني أعيش في الظاهر كما يعيش الناس في هذه البلاد، أما في الباطن فما زالت لي آلهتي وعقائدي ومثلي العليا، كل آلامي مرجعها هذا التناقض في حياتي الظاهرة وحياتي الباطنة (1943).
والحقيقة أن مراجعات الحوار مع توفيق الحكيم التي أجراها العلماء عام 1983م، وبعد أربعين سنة تحتاج إلى هذا النص حتى يمكن تفسيرها وتوضيحها.
وإذا كان توفيق الحكيم يزعجه أن يواجه بأخطائه مما لم يحدث لطه حسين وغيره فإن عليه أن يعلم أن هذا ليس نفوذ علماء الإسلام بل هو طبيعة الصحوة الإسلامية فقد مضى العهد الذي كان التغريبيون يخوضون في الأمور ما ليس من حقهم ثم لا يجدون من يواجههم ويكسر منطلقهم الباطل،وقولته: "إن علماء الدين يريدون أن يكونوا لهم وحدهم حق تشكيل عقلية الأمة على أساس العلم الديني الذي درسوه في الكتب المعتمدة وطبقًا للنصوص التي قرأوها وأقروها وحدهم دون أن يقبلوا تطورًا في أصولها أو أي شيء من المعارف التي تصل إلى تفكيرهم بالحياة على النحو الذي يعيش عليه الجزويت".
- إن هذا النص يوحي بأن توفيق الحكيم لم يستطع خلال أكثر من أربعين سنة أن ينظر إلى اليقظة الإسلامية وما زال غارقًا في بحيرة الجزويت ومفاهيم المسيحية الغربية، ونحن نقول له: إن المواجهة التي يلقاها ليست مواجهة علماء الدين ولكنها هي تصحيح لمفهوم الإسلام الأصيل الذي هو وحده الذي يشكل عقلية الأمة، وليس هو العلم الديني بمفهوم اللاهوت الغربي، ولكن بمفهوم العلم الإسلامي الجامع المتكامل الذي يمثل حقيقة المنهج الصحيح للفكر والثقافة والذي يواجه كل فكر وثني تغريبي مادي علماني يحاول أن يدخل ساحة الفكر الإسلامي متسللاً على النحو الذي يقوم به توفيق الحكيم والتطور في الوسائل وليس منهج الإسلام الذي يجمع بين الثوابت والمتغيرات والقابل للمتغيرات والتحويلات وليس بمفهوم التطور الذي يطبقه توفيق الحكيم على الأيدلوجيات والأديان البشرية.
- من أخطائه في هذه الأحاديث: أنه ليس من حق أي إنسان أن يقول: أنه يفهم الدين كما يشاء، فقد تفهم الفلسفات والأيدلوجيات، أما الدين السماوي الإلهي فيجب أن يفهم كما فهمه محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن خيانة الأمانة أن يفسر أحد مهما بلغ من الثقافة العصرية أن يفسر الدين بعقله، وأن أمور الدنيا يمكن أن تفكر فيها بالعقل، ولكن الدين تفكر منه بعقلية عصر النبوة، وأن القول: بأن كل واحد ما دام قد تعلم وتنور وقرأ كتبًا وصحفًا فله أن يفهم الدين كما يشاء، هذا قول مردود، والدين لا يكون دينًا إلا من مدرسة النبوة، من النبع.
- أما مسألة التخيل في الحوار فإن ذلك مخالف للقرآن والسنة والشريعة وكذلك خطأه في القول بنسبية الأديان، وخاصة الدين الإسلامي، وبقوله: أنه لا يشترط لدخول الجنة شهادة: "أن لا إله إلا الله، محمد رسول الله" أما دعوى الاجتهاد فإنه لا اجتهاد مع النص، بمعنى أنه إذا وجد الحكم فيها وإلا فإنه لا يصح إلا للعلماء المتخصصين في الدين أن يجتهدوا، وهو ما لا يصح له.
أما دعواه بأنه اعتمد على القرطبي، فإن الكتب فيها مسائل خلافية كذلك لا يؤخذ المعنى من هذه الكتب مبتورًا أو يؤخذ من غير سياقه أو يقرأ على غير وجهه، فإنه يأخذ ما يأخذ ويدع ما يدع، وإذا كان لكل إنسان أن يفكر كما يشاء فإن ما يقدم للناس يجب أن يكون بعيدًا عن ما يثير الشكوك والشبهات.
وعندما دُعي إلى أن يعتذر إلى الله وأن يخرج من مقام الندية لله أصر على ما كتب، وقال: أنه يعبر عن شعوره الداخلي، إذا كان ما قال يعزى إلى تصوفه فإن التصوف لا يمكن أن يكون خروجًا على الإسلام، أما حكمه على العلماء غير المسلمين بأنهم يدخلون الجنة فحكم باطل؛ لأنهم ما لم يقولوا: لا إله إلا الله؛ فلا يدخلوها.
- وقد كشف العلماء له أنه استخدم عبارات غامضة ومجازات بعيدة من شأنها أن تشكك الناس في أمر دينهم، وأن المناجاة لا بأس بها، ولكن التأليف والتخيل على لسان الله تبارك وتعالى فإنه يدخل تحت باب قوله تعالى: {اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون}؛ لأن التأليف والتخيل غير حق.
- وقال الشيخ الشعراوي: أنه نزع صفة كلام الله الأزلية، وأعطاهاصفة البشرية الزائلة التي تنقض غدًا أو بعد غد، ولكنه قيد مراد الله تبارك وتعالى في إرادته هو فما يريده عقل توفيق الحكيم يقوله الله سبحانه وتعالى في مقالاته، ذلك لأنك عندما تنقل كلاما على لسان الله تبارك وتعالى فكأنك قيدت إرادة الخلق بإرادتك أنت أيها المخلوق.
- أما عن دفاع الأدباء عن توفيق الحكيم فهو عن غير حجة تلزم من يقرأها ولكن عن عاطفة، وعلى الذين يخافون على توفيق الحكيم الحي الآن أن يغاروا على توفيق الحكيم حين يلقى الله فيجنبوه أهوال هذا اليوم بالنصيحة وبالحكمة بدلاً من أن يزينوا له طريقًا لا يرضي الله سبحانه وتعالى.
- وقال الشيخ الشعراوي: أما ادعاؤه بأن اللغة لا ينتفع بها وأن عمرها قد انتهى كيف يمكن أن ينقل العالم نتائج ما يحدث في معمله إلا باستخدام اللغة، وكيف يمكن أن يقرأ أي إنسان ويستوعب ما فات إلا باستخدام اللغة، وكيف يمكن أن ترث البشرية كلها حضارة عن حضارة عن حضارة، إلا باستخدام اللغة.
إن اللغة التي يسخر منها توفيق الحكيم هي الأساس لكل شيء وهي آية من آيات الله سبحانه وتعالى، لتأخذ البشرية حضارتها جيلاً بعد جيل وترتقي وتتقدم ومن المستحيل على البشرية كلها أن يرث جيل الجيل الذي قبله في العالم إلا باللغة".
أما نسبية الأديان فيقول الشيخ الشعراوي: لا يمكن لأي إنسان أن يدعي أن الدين الخالص لله له حكم مع واحد وحكم مع آخر فالأحكام على كل خلق الله بلا تفرقة، فالأديان كلها من الله، وكيف تكون الأديان من الله سبحانه وتعالى ثم تنطبق عليها النسبية وهي شيء متغير، هل النسبية بالنسبةللمصدر أم أن الله سبحانه وتعالى هو وحده مصدر كل هذا، لا أعتقد أن هناك دينًا قد جاء من السماء يقول: لا إله إلا الله ودينًا آخر يقول غير ذلك فالدعوة إلى عبادة الله تبارك وتعالى لم تتغير من بدءِ البشرية وإلى نهايتها فلا يوجد حكمان يتناقضان بالنسبة للشيء الواحد حتى يمكن أن نقول: أنها نسبية، ونسبية الأديان التي يقول بها توفيق الحكيم معناها أن الله متغير والله سبحانه وتعالى ثابت لا يتغير والعقيدة لم تتغير منذ آدم حتى الآن ولا يوجد أي تناقض أو تقابل والعقيدة في كل الأديان سواء، وكل نبي جاء بدين يؤكد ما قبله ولا يلغي ما قبله بل يضيف إليه ويصحح ما حرفته البشرية إرضاء لأهوائهم".
- من يتابع المحاورات التي دارت بين توفيق الحكيم وعلماء الإسلام يحس بأنه مراوغ كبير، وفيه خبث شديد، وفيه سذاجة في الفهم إلا من كلمات ملقنة يرددها، وهو بالطبع قد رحب بنشر هذه الأحاديث عملاً بنصيحة المبشرين، أن يردد كلمات مسمومة في وسط الأحاديث من شأنها أن تثير الشبهات في نفوس الذين يقرأونها، وكل الخيوط التي تجمعها هذه الأحاديث توحي بسخرية شديدة بالوقائع فضلاً عن استشهاده بالأحاديث التي لم تثبت ومحاولة القول: بأن هذه الأحاديث نشرتها الأهرام من غير إذنه وقد تحدث كثيرون عن الربط بين نشر هذه الأحاديث وبين إسلام جارودي، وحضوره في مهرجان الأزهر والأمور في نظر توفيق الحكيم محددة بالحدود المادية الصرفة، وبالعصر الحالي وحده، فهو ليس بقادر على أن يستشرف الآفاق التاريخية أو المقبلة بالرغم من دعواه بأنه قصاص متخيل، وتوحي أحاديثه بأنه يعيش مرحلة اليأس المنكفئ على النفس، وقد ذهب كل ما قدمه، كحصاد الهشيم، دون أن يبقى منه شيء، وأن الفكر الإسلامي في الصحوة القائمة قد بدد كل نظرياته التي قدمها عن الفن للفن وحرية الكاتبوالقصاص في أنه يقول كل شيء دون تقدير مفهوم الإسلام بتقديم الأخلاقي على الجمالي، وبأن للفن في عالم الإسلام وجهة تختلف، وكأنما يرى توفيق الحكيم إزاء الصحوة الإسلامية، وهو يجيش بالكمد والكراهية. ولا ريب أن قصوره على الفن في ثقافته يجعله عاجزًا عن استيعاب النظرة الشاملة الكلية للمفاهيم الإسلامية، ويجعل رأيه ساقطًا في مجال التوجيه والتجربة لأنه عاش حياة المسرح وهو أبو المسرح الحديث الفاسد على حد تعبير تلاميذه، ولقد كان المسرح في الأفق الإسلامي لقيطًا فاسدًا أحضره اليهودي يقعوب صنوع وغذته الصهيونية والماركسية التي اعتبرته بديلاً عن الكنيسة والمعبد، ومن ذلك دعواه إلى معارضة إدخال الدين في المدارس كمادة أساسية بحجة أن المسئولين عن التعليم لا يختارون في المقرر الديني إلا أصعب الآيات لغة ومضمونًا.
ولا ريب أن نظرة "الإيمان بالفن" تمثل التبعية الكبرى للفن الغربي الوثني الإغريقي الضال المتجدد في دوائر اللامعقول وغيرها وقصوره على الفن يجعله محدود الفكر ويجعل رأيه في مجال المجتمع والعقائد والشباب جزئيًا غير مُكمَّل.
أما وصف الصحف له بالعملاق والشموخ، وعمق الفكر والريادة فهذه كلها كلمات لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به، فهو مغرب، غريب على الفكر الإسلامي، متداخل فيما لا يحسنه، عاجز عن الأصالة. ولو أن الصحيفة التي يكتب فيها فتحت الباب أمام الذين يراجعونه لانكشف زيفه ولسقطت تلك الهالات الكاذبة التي يسيغها عليه دعاة التغريب".
ولا يزال توفيق الحكيم يكرر علينا أن أوربا هي العقل وبلادنا هي النفس (ففي مصر الروح والنفس وفي اليونان المادة والعقل) وهو في هذا لا يمدحنا بقدر ما يهجونا فنحن في القسم الذي ليس فيه العقل، وهذه ظلامةكبرى أن توضع في جانب من لا يملكون العقل والحقيقة أننا نملك العقل والوحي معًا، وبذلك تتكامل نظرتنا بينما تبقى نظرة الغرب ناقصة؛ لأنها قائمة على المادة التي تتصل بالمحسوس في مفهوم العقلانية عندهم، وعجيب أن يظل توفيق الحكيم وهو في عقد الثمانين مبهورًا بالعقل الأوربي ممجدًا له، عاجزًا عن استيعاب عظمة الفكر الإسلامي وأن أعظم ما يتميز به العقل الأوربي وهو القدرة على التحليل وربط الأسباب بالنتائج، ومعرفة تتابع الأشياء هذه الرؤية إسلامية الأساس والمصدر، منقولة من عالم الإسلام إلى الغرب في الحقيقة.
- ومن ذلك قوله: "أن مصر لم تنجب بعد جيل الثلاثينات" يقصد نفسه وجماعة العلمانيين طه حسين وسلامة موسى ومحمود عزمي وهم الذين يوصفون بأنهم جيل التنوير اقتباسًا من جيل التنوير الغربي الذي لم يكن إلا من التلموديين أولياء المحافل الماسونية، وهذا تصوير صحيح، ولكن توفيق الحكيم لا يرى جيل اليقظة الإسلامية النامي يتصدى للتغريب والغزو الثقافي والذي صحح المفاهيم وأعاد الكرة إلى الأصالة والمنابع، وهو الجيل الذي صنع ما يسمى اليوم "الصحوة الإسلامية".
وحين يهاجم توفيق الحكيم (العقلية العربية) فإنما يخفي في نفسه العداء والخصومة للقرآن والإسلام؛ لأنه شيء لم يكوِّن العقلية العربية غيره، والقرآن هو الذي صاغ هذه العقلية التي هي في الحقيقة عقلية إسلامية أساسًا، أما ما يحاول أن يوجهه إلى هذه العقلية من اتهامات فهي ليست تتعلق بالمنهج الرباني وإنما يتعلق بالتطبيق البشري، ولقد حاول توفيق الحكيم الغض من شأن الإسلام بالحديث عن بعض عيوب التطبيق الإسلامي، وإثارة ْالشبهات حول بعض الخلفاء والمجتمعات وهذ كله باطل؛ لأن الإسلام المنهج هو وحده الأساس الصحيح أما الخطأ في التطبيق فهي مسئولية الأجيال والمجتمعات.

- ولقد شهد توفيق الحكيم على نفسه في حديثه عن مسرحية شهر زاد أنه عندما بدأ تأليف قصصه كان واقعًا تحت تأثير الفكرة الغربية الملحدة.
يقول: "في مسرحية شهر زاد صدى الأفكار الكثيرة التي دوت في ذهني إثر اتصالي بالفلسفة الأوربية، كانت الفلسفة الأوربية في ذلك الوقت تقوم على أن الإنسان هو رب هذا الكون وأن الله (جل وعلا عما يقولون علوًا كبيرًا) قد مات كما يقول نيتشه وأن المتحكم في مصائر البشرية هو الإنسان وحده بحريته المطلقة، ولذلك كانت موجة الإلحاد وإنكار الدين تغمر المحيط الثقافي الأوربي عندما ذهبت إلى باريس في أعقاب الحرب العالمية الأولى وقد صدم هذا العقلية الشرقية المتدينة التي أحملها فوجدت كل هذه الأفكار المتضادة متنفسًا لها في مسرحية شهر زاد، فمسرحية شهر زاد هي رد فعل ما كانت عليه أوربا في ذلك الوقت مِن قلق نفسي ومن إنكار للدين وإيمان بالعلم الذي يصل إلى الدرجة التي يحل فيها محل الدين".
- ونحن نقول لتوفيق الحكيم: أما كان عليه أن يتطور مع الفكر الأوربي نفسه، الذي تحول كثيرًا الآن، وقد كان معه على نفس الخط كثيرون منهم جارودي وبوكاي اللذين تحولا سريعًا واكتشفا عظمة الإسلام، أما كان هو الأحق بذلك وهو المسلم العربي، أم أن هناك ما حال دون ذلك، ربما عناد نفسي، وصل به أخيراً إلى الحديث عن "إسلام العجائز" أم أن هناك إصرارًا على هذا الموقف الذي يحمل الخصومة والكراهية لأشرف دين .. لقد تبين لتوفيق الحكيم أخيرًا أنه لم يكن أكثر من ناقل لكل رماد الفكر الغربي، وركام الزيف فيه عن تلك الأعمال المسرحية التي وصفت بالخلود والتي عبر عنها هو تعبيرًا صحيحًا حين قال:
"إن كل أعمالي التي تعبت العمر فيها لا قيمة لها فقد ضيعت حياتي فيما كان يخيل إلي أنه له قيمة، وقد أحس بانصراف الناس عنها وغلبة الأصالة عليها، الأصالة التي كشفت زيف روائع الفكر الغربي التي طالما أشادوا بها فإذا هي ركام ورماد، وقد تبين إنما هي في حقيقتها أهواء النفوس المليئة بالشهوات والجنس والغرور في بحيرة راكدة آسنة غرق فيها توفيق الحكيم وما زال غاراقًا.
- وتستطيع أن تقول أن توفيق الحكيم المعدود من القمم الشوامخ قد سقط سقوطًا شنيعًا في المجالات الآتية:
أولاً: اعتماده على الأساطير في جميع قصصه واعتماده على الأحاديث الموضوعة في أغلب كتاباته.
ثانيًا: فكرته المشوشه عن الأديان وخاصة عن الإسلام.
ثالثًا: تأثره بالفكر الوثني والفرعوني فقد اعتمد فى قصة (أهل الكهف) على نظرة فرعونية وكان لفكرته المشوشة عن الإسلام أثر جعله يخلط بين مصر القديمة والأديان بصفة عامة، فالمسلم يؤمن بأن هناك انقطاعًا يفصل ما بينه وبين التصورات الوثنية والوضعية، كما أنه يؤمن بأن الإسلام هو دين ممتد من لدن آدم حتى محمد - صلى الله عليه وسلم - يضع التصور المتكامل لعلاقة الإنسان بربه ونفسه والآخرين ويرسم له منهاج الحياة ويحدد معالم المستقبل في الآخرة.
وعن أهل الكهف يقول: إنه كان تحت تأثير مصر القديمة "لقد قرأت كتاب الموتى والتوراة والأناجيل الأربعة والقرآن" بينما اسم المسرحية (أهل الكهف) توحي بأن معالجتها ستكون من خلال منظور إسلامي، ولكنها جاءت مشوشة الفكر والمنهج.
أما (عودة الروح) فهي أيضًا تحمل فكرة فرعونية قديمة (الكل في واحد) أي أن الوجدان الجمعي والشعبي ينمحي في زعيم واحد أو فرعون واحد.
كما يقول الدكتور حلمي القاعود. 

رابعًا: الترويج لنظرية الفكر الصوفي المنحرف (نظرية وحدة الوجود) وما في الجبة إلا الله، كما حاول أن يسقط إسقاطات علمانية وإلحادية روج لها الفكر الوافد منذ منتصف القرن الرابع عشر الهجري انطلاقًا من المفاهيم الكنسية التي لا تتطابق بحال مع فكرنا الإسلامي.
خامسًا: ناقش الله تبارك وتعالى في أمر الأديان السماوية ونسي أو تناسى أن الله سبحانه وتعالى لا يسأل عما يفعل، وعارض الله تبارك وتعالى في أمر العقل وأجاز تداول الكتب السماوية بعد التعديل والتصحيح وهذا جهل بحقيقة الرسالات السماوية من جهه ومحاولة للدس على نقص كلام الله من جهة ثانية.
سادسًا: رأى أن الإيمان الحقيقي إنما هو عند العلماء الطبيعيين فلا عبرة عنده بالعقيدة ولا التوحيد ولا العمل، وهذه قضايا خطيرة مؤداها الطعن في معظم التراث الإسلامي -إن لم يكن كله- القائم على أعمدة التوحيد والعمل فضلاً عن الترويج للفكر العلماني القائم على الاعتراف بالحقائق العلمية وحدها مجردة من كل اتصال بالأديان.
سابعًا: أساء الأدب إساءة بالغة عندما خرج على مقتضى العرف الإيماني والأدبي السائد بين المؤمنين وبين خالقهم.
ثامنًا: قصر الإيمان على المعرفة وألغى التلفظ بمنطوق الشهادة فهو عنده إيمان تعبدي لفظي لا معنى له، وهذا ولا شك مذهب طائفة من الفلاسفة والمتكلمين المنحرفين ونسي أن الإقرار باللسان شرط عند أهل الحق.
تاسعًا: خول لنفسه أن يتكلم باسم الله (قل على لساني ما تشاء على مسئوليتك) هذا منتهى العبث والاستهتار مما يشعرنا أن الرجل كان في حالة غير طبيعية أثناء كتابة هذه الشطحات إذ كيف يتجرأ أن يروي كلامًا مكذوبًا على الله. عاشرًا: أنكر رؤية الله يوم القيامة وهي ثابتة، وتجاوز حدود البشرية بوصفه كلامًا مخترعًا منسوبًا إلى الذات العلية هذا فضلاً عن افترائه وكذبه" (1).
__________
(1) "جيل العمالقة" (ص 205 - 217).



السبت، 18 أكتوبر 2014

* سلامة موسى الكاره للإِسلام .. الدجال .. كالشجرة التي تنبت مرّا، لا تحلو ولو زُرِعت في تراب من السكّر:



* سلامة موسى الكاره للإِسلام .. الدجال .. كالشجرة التي تنبت مرّا، لا تحلو ولو زُرِعت في تراب من السكّر:
"محاولة إعادة سلامة إلى الحياة محاولة خاسرة وقد باءت بالفشل الذريع. سلامة موسى الرجل الذي لم يعرف له في تاريخه الطويل موقف يدعو فيه لتحرير مصر من الاستعمار البريطاني وقد سقطت جميع آرائه وكشفت حركة اليقظة عن زيفها وفسادها.
لقد كانت كل كتابات سلامه موسى وأفكاره في حقيقتها جماع خيوط المخطط الماسوني التلمودي بباطله وهدمه وأخطاره ولقد عرف أن سلامة موسى كان يلفظ الإسلام والمسيحية معًا وهو الذي أضاف إلى قائمة الرسل والأنبياء: فرويد وماركس ودارون ولينين.
كان السؤال الهام في الندوة عن الظاهرة الخطيرة التي حاولت بها بعض الجهات طرح كتب سلامة موسى في السوق مرة أخرى بأعداد كبيرة، ونشرت عديدًا من كتبه ما عدا كتابه "اليوم والغد" الذي قال بعض أصحاب الولاء: أنهم لن يعيدوا طبعه والسر أن هذا الكتاب يكشف حقيقة سلامة موسى، ودعوته المسمومة، والشعوبية والماركسية جميعًا.
والحق إن كتابات سلامة قد تجاوزها الزمن، ولم تعد تمثل أي عطاء ثقافي بعد أن سقطت كل هذه الدعاوي التي روجها الاستشراق والتغريب في الثلاثينات والأربعينات .. شأنه في هذا شأن طه حسين ومحمود عزمي وعلي عبد الرازق ومن تبعهم أمثال حسين فوزي وتوفيق الحكيم ولويس عوض وغيرهم.
والواقع أن النفوذ التغريبي لا يهمد ولا يتوقف عن غاياته وإن بدا أنه يغير جلده بين حين وآخر ليخدع أجيالاً جديدة بتلك السموم التي قدمها على أيدي عملائه ثم تكشف زيفها.
دعا سلامة موسى إلى استعمال العامية وهدم العربية وجدّد الدعوة لويس عوض في مصر ويوسف الخال وأنيس فريحة في الشام وكانت النتيجة هي الفشل المحقق.
دعا سلامة موسى إلى الفرعونية "وجدد الدعوة بعده كثيرون ولم يصلوا إلى شيء.
دعا سلامة موسى إلى الفرعونية، وجدد الدعوة إلى إبطال حكم من أحكام الدين وذلك بشأن ميراث المرأة، وقد لقنه الباحثون درسًا قاسيًا مريرًا.
دعا سلامة موسى إلى الماركسية وقد كشفت الأيام زيف دعوته وفساد وجهته.
والحقيقة أن سلامة موسى لم يكن إلا رجل يحمل التراب فيذروه في وجه الناس حقدًا وكراهية لهذه الأمة أن يتحقق لها امتلاك إرادتها وخدمة لكل التيارات الحاقدة عليها والكارهة لها. ولقد كان الكاتب في هذه الفترة يعترف بأنه ماركسي أو غربي أو داعيًا لفرنسا أو إنجلترا ولكن سلامة موسى كان يعمل لكل هذه الجهات عن طريق الماسونية والمخطط الصهيوني الذي كان يحتضن كل فكر هدام .. فكان ينثر من كتابته مقتطفات عن (دارون) ومذهبه، وعن (فرويد) ومذهبه، وعن إقليمية مشوبة بالفرعونية، وعن العامية مشوبة باللاتينية ويحتضن كل كتاب هذه السموم من (ولكوكس) إلى (ماركس) ويدعي! ويناقض دعوته بمدح الخديو إسماعيل، وموالاة الاستعمار البريطاني ولا ريب فقد تخرج سلامة موسى من مدرستين:
من مدرسة تربية أبناء العرب الذين يقعون في فخاخ القوى العظمى فقدذهب سلامة إلى بريطانيا وفرنسا في ذلك الوقت الباكر وجند لهذه الغاية.
أما الأخرى فقد كان تابعًا لمدرسة شبلي شميل، وجورجي زيدان، وفرح أنطون، ويعقوب صروف. هذه المدرسة التي كونها التبشير في بيروت، ثم قذف بها إلى مصر والبلاد العربية فتولت مقاليد الصحافة والثقافة وحملت حقدها الوافر على الإسلام والخلافة الإسلامية، واللغة العربية، وتاريخ الاسلام وسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
إن هناك وقائع خطيرة كاشفة لحقيقة سلامة موسى بعد أن فضحه أصحاب دار الهلال الذي كان يعمل عندهم، ويتصل من ورائهم ببعض الجهات ليشي بهم (إبريل 1931 - مجلة الدنيا الجديدة) وقد نشرت بالزنكغراف خطاباته التي يقول فيها لمسئول:
"فأنا اكتب لسعادتكم وإدارة الهلال تهيئ عددًا خاصًا من المصور لسعد زغلول تستكتب فيه عباس العقاد وغيره من كتاب الوفد ومثل هذا العمل يتفق مع التجارة ولكنه لا يتفق مع الدعوة للحكومة الحاضرة ومشروع المعاهدة؛ لأن الإكبار من ذكرى سعد وتخصيص عدد له هو في الحقيقة إكبار من شأن الوفد ودعوة إليه - إني مستعد للدعوة للمعاهدة فهل لي أن أنتظر معاونتكم".
كتب هذا إبان وزارة اليد الحديدية التي شكلها محمد محمود، وتاريخ الخطاب 22 أغسطس 1939 وهو لا يزال في "دار الهلال ما يزال يتقاضى مرتبه منها، ويدحلها كل يوم يبتسم في وجه أصحابها، ويظهر لهم الود والإخلاص وفي الوقت نفسه يدس لهم، ويتجسس عليهم، ويرسل التقارير إلى وزارة الداخلية.
ثم عاد يتمسح بالوفد (إبريل 1931) فكشفت دار الهلال هذه الوثيقة وقالت: "أنت تتمسح اليوم بأعتاب الوفد، وتتعلق بزعماء الوفد. إن لدىدار الهلال البرهان القاطع على تلونك وغدرك".
ولم يقف الأمر عند هذا الحد .. فقد أرسل خطابًا (نشرت صحف دار الهلال) صورته الزنكغرافية موجهًا إلى الأستاذ حسين شفيق المصري في 3 نوفمبر 1930 هذا نصه:
عزيزي حسين:
بعد التحية: تعرف الخصومة بيني وبين السوريين (أي أصحاب دار الهلال) فأرجوك أن ترسل لي خطابًا على لسان سوري وقح يشتمني فيه بإمضاء إسكندر مكاروس أو غيره من الهكسوس. وأنا في انتظار الخطاب.
أخوك سلامة موسى
وقد علق الأستاذ حسين شفيق المصري على هذا يقول:
كان يريدني أن أزور خطابًا، وأن أفتري على أمة، وأن أنزل إلى الدرك الأسفل من النذالة بالكيد لقوم ليس بيني وبينهم غير الصداقة والمودة.
هذا اللعب من لعب الصبيان فعجيب أن يكون منه وهو ينادي بأنه فيلسوف من علماء النفس، أغفر له كل شيء إلا أن يظن بي ما ظن من الجهل والحمق. وهو يدعوني إلى كتابة ذلك الكتاب الذي أشتمه فيه بتوقيع رجل بريء لا ذنب له إلا أن في الدنيا رجالاً لا يحاسبون ضمائرهم، ولا يرون أبعد مما بين أنوفهم وجباههم".
بل ويذهب سلامة موسى إلى أبعد من ذلك فيقول:
"ومما يدل على أن حركتنا الوطنية بأيدي ناس غير قادرين على الاضطلاع بها أن الحركة التي قامت في العام الماضي وكانت غايتها اصطناع القبعة قاومها زعماؤنا وقتلوها في مهدها. فأثبتوا بذلك أنهم لا يزالون آسيويين في أفكارهم، لا يرغبون في حضارة أوربا إلا مكرهين. وقد أدرك مصطفى كمال الذي لم تنجب بعد نهضتنا رجلاً مثله ولا ربعه ولا يعرف مقدار ما للقبعة من القيمة والإعلان بالانسلاخ عن آسيا، والانضمام إلى أوربا، ولم يمنع استعمال السيف في هذا".
ويقول: هذا هو مذهبي الذي أعمل له طول حياتي سرًا وجهرًا فأنا كافر بالشرق، مؤمن بالغرب وفي كل ما أكتب أحاول أن أغرس في ذهن القارئ تلك النزعات التي اتسمت بها أوربا في العصر الحديث، وأن أجعل قرائي يولون وجوههم نحو الغرب، ويتنصلون من الشرق .. ليس هناك حد يجب أن نقف عنده في اقتباسنا من الحضارة الأوربية.
ويقول: وليس علينا للعرب أي ولاء، وإدمان الدرس لثقافتهم مضيعة للشباب، وبعثرة لقواهم. وكيف يمكننا أن نعتمد على جامعة دينية بينما في العالم نظرية تقول: أن الإنسان لم يكن راقيًا فانحط كما تقول الأديان. بل هو كان منحطًا فارتقى تعني بها نظرية التطور بل كيف يمكن لإنسان مستنير قرأ تاريخ السحر والعقائد أن يطلب منه أن يخدم جامعة دينية. إن الجامعة الدينية في القرن العشرين وقاحه شنيعة".
ويقول: "لا عبرة بما يقال من أن الإسلام أمر بالشورى فإن خطب جميع الخلفاء تثبت أنهم كانوا ينظرون إلى أنفسهم نظرًا بابويًا بل البابا نفسه إذا قيس إليهم في بعض الأشياء يعد دستوريًا".
ويقول: "إن أكبر تجربة اجتماعية رآها العالم هي الشيوعية الروسية الحديثة وظهور الشيوعية هو بمثابة حاجز بين الماضي والمستقبل فهي تفصل الاثنين فصلاً واضحاً وهي على ما فيها من نقائض اليوم وعلى ما ينال الناس البعيدين عنها من الرعب، فإنها ستكون بذرة لجملة أنظمة اجتماعية في المستقبل".
وهكذا تحوي كتابات سلامة موسى كل السموم التي علموه أن يثيرها في أفق العرب والمسلمين يومًا بعد يوم، علموه أن الاشتراكية هى الهدام الأكبر للمسلمين وازدراء كل ما هو عربي، والدعاية الشيوعية، وكذلك الدعاية للإباحية.
يقول سلامة موسى: "ليس من مصلحة الإنسان أن يعيش في قفص من الواجبات الأخلاقية، يقال له هذا حسن فاتبعه وهذا سيئِّ فاجتنبه".
وعلموه الدعوة إلى التبعية للغرب وللاستعمار.
يقول سلامة موسى أيضًا: "أجل يجب أن نرتبط بأوربا، وأن يكون رباطنا بها قويًا نتزوج من أبنائها وبناتها، ونأخذ عنها كل ما يجد فيها من اكتشافات واختراعات وننظر للحياة نظرها، ونتطور معها تطورها الصناعي، ثم تطورها الأشتراكي والاجتماعي، ونجعل أدبنا يجري وفق أدبها بعيدًا عن منهج العرب، ونجعل فلسفتنا وفق فلسفتها".
هذا هو سلامة موسى الذي يريدون أن يحيوه مرة أخرى ويجددوا فكره، هذا الفكر الذي تجاوزه المسلمون والعرب اليوم وإَن كانوا قد خدعوا به هناك يوم كان دعاة التغريب تعوي كتاباتهم بالسموم!!
إن ما قدمه سلامة موسى عن الماركسية والفرويدية والدارونية هي كلمات مجمعة قد جاوزها البحث العلمي الآن، وكشف زيفها فقد ظهر الآن فساد ما دعا إليه دارون وتبين أن وراء إذاعة دعواتها ونشرها كانت التلمودية التي تريد أن تقول: أن الإنسان حيوان لتمهد لفرويد اليهودي نظريته في الجنس وكانت الماركسية والفرودية والداروينية من أدوات الفكر الصهيوني، الذي حاول أن يؤسس مدرسة في البلاد العربية والإسلامية. كما دعا إلى البهائية التي عرفها في لندن سنة 1910 عندما اتصل بجماعة الدهريين ولم يدع كتابًا من كتبهم لم يقرأه وكانت معظم مؤلفاتهم في نقض الأديان السماوية -على حد تعبيره- ولا بد أنه اتصل بمحافل الماسونية، وتعلم فيها فإن كل اتجاهه كان ماسونيًا تلموديًا ولم تعرف حقيقته إلا بعد أن ترجمت بروتوكلات صهيون إلى اللغة العربية عام 1948، وأن كل محاولاته وخططه كانت ثمرة هذه التبعية الماسونية التلمودية وقد أشار كثيرون إلى أنه لم يكن مسيحيًا صادقًا وإنما كان ولاؤه لفرويد وماركس.
وقالوا: الشجرة الفاسدة تثمر ثمرًا رديئًا، وكل شجرة لا تثمر ثمرًا جيدًا تقطع وتلقى في النار.
ولا ريب أن دعوة سلامة موسى إلى وحدة الأديان هي من مفهوم البهائية، وأن اهتمامه بالسلطان "أكبر" الهندي الذي أجرى هذه التجربة داخل في دعوته، كذلك دعوته إلى وحدة الوجود، ومذهب (سيبونزا) في وحدة المادة والقوة والروح والجسد هي من طريق خطه الواضح وكذلك فهو يرى أن حرق جثمان الميت أطهر وأنظف!!
وقد تمنى سلامه موسى أن يحرق جسمه بعد موته، وقد عمل على نشر آراء تولستوي وغاندي؛ لأنها تحاول مواجهه مفهوم الإسلام الجامع ومفهوم الجهاد وحتى ديانته المسيحية فإنها لم تسلم من هجومه وهو يعتقد أنها حجبت عن عقول الناس نور الثقافة اليونانية وحريتها، وأن هذا الحجب والحجر ظل ألفًا وخمسمائة سنة حتى بدأت بشائر النهضة الأوربية التي كان أساسها الخروج عن سلطان الكنيسة وإطباقها على النفس والعقل البشريين، والعودة إلى أسس الثقافة اليونانية وحريتها.
وقد بشر بدين جديد دعا إليه ودخل هذا الدين في عقيدته أنه (دين البشرية) كما يسميه، وهو ما دعا إليه (أوجست كونت)، ويرى أن دين البشرية بذرة من ديانة بوذا وهو دين لا يدعو إلى الإيمان بالله، أو الخلود في العالم الثاني، ولا ريب هذا الاتجاه الذي استكمله بأنبياء آخرين آمن بهم هم ماركمس وفرويد بوحي بماسونيته وولائه التلمودي الصريح، كذلك فإن دعوته إلى العالمية هي دعوة الصهيونية العالمية التي تريد هدم الأمم. المسلمة فيمرحلة ضعفها واحتوائها للسيطرة عليها وتذيبها في أتون الأمية.
ولا ريب أن حملة سلامة موسى على اللغة العربية الفصحى، والشعر والأدب العربي هو دعوة مبطنة للحملة على الإسلام والقرآن وهي الدعوة التي حمل لواءها لويس عوض من بعد وتؤكد دعوته في مجموعها موالاة الدعوة الشعوبية التي ترمي من وراء القضاء على العرب وكيانهم إلى القضاء على الإسلام باعتبار أن تلك هي قاعدته الأساسية.
لقد كانت أصدق كلمة لباحث معاصر أنه لم يعرف لسلامه موسى مقال وطني واحد دعا فيه إلى تحرير مصر من الاستعمار البريطاني.
إن محاولة إعادة سلامة موسى إلى الوجود محاولة باطلة فقد سقطت آراؤه جميعًا وكشفت حركة اليقظة عن زيفها وفسادها.

* ما هو رأي مصطفى صادق الرافعي في سلامة موسى؟
يقول الأستاذ مصطفى صادق الرافعي:
رأيي في سلامة موسى معروف. لم أغيره يومًا. فإن هذا الرجل كالشجرة التي تنبت مرًا. لا تحلو ولو زرعت في تراب من السكر، ما زال يتعرض لي منذ خمس عشرة سنة، كأنه يلقي عليَّ وحدي أنا تبعة حماية اللغة العربية وإظهار محاسنها وبيانها، فهو عدوها وعدو دينها وقرآنها ونبيها، كما هو عدو الفضيلة أين وجدت في إسلام أو نصرانية.
دعا هذا المخذول إلى استعمال العامية وهدم العربية، فأخزاه الله على يدي، وأريته أنه لا في عيرها ولا نفيرها. وأنه في الأدب ساقط لا قيمة له.
وفي اللغة دعي لا موضع له، وفي الرأي حقير لا شأن له فلما ضرب وجهه عن هذه الناحية وافتضح كيده دار على عقبيه واندس إلى غرضه الدنيء من ناحية أخرى، فقام يدعو إلى (الأدب المكشوف) فأخزاه الله مرة أخرى ولم يزد بعمله على أن انكشف هو، فلما خاب في الناحيتين، اتجه إلى الشارع الثالث فانتحل الغيرة على النساء والإشفاق عليهن، وقام يدعو المسلمين إلى إبطال حكم من أحكام دينهم وإسقاط نص من نصوص قرآنهم ظنًا منه أنهم إذا تجرأوا على واحدة هانت الثانية، وانفتح الباب المغلق الذي حاول هذا الأحمق فتحه طول عمره من نبذ القرآن وترك الإسلام وهجر العربية كأن إبليس لعنه الله قد كتب على نفسه (كمبيالة) تحت إذن وأمر (سلامة موسى) إذا محيت العربية أو غير المسلمون دينهم أو أبطلوا قرآنهم، فكانت البدعة الثالثة أن يدعو المسلمين جهرة إلى مساواة الرجل بالمرأة في الميراث، فأخزاه الله.
ثم قام هذا المفتون يدعو إلى الفرعونية؛ ليقطع المسلمين عن تاريخهم، وظن أنه في هذه الناحية ينسيهم لغتهم وقرآنهم وآدابهم، ويشغلهم عنها بالمصرولوجيا، الوطنولوجيا، ثم أتم الله فضحه بما نشره أصحاب دار الهلال.
ويقول الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني تحت عنوان:
سلامة موسى ليس بشيء إن لم يكن دجالاً!!
بضاعته بضاعة الحواة المشعوذين وله حركاتهم وإشاراتهم وأساليبهم.
يزعم نفسه أديبًا، وتعالى الأدب عن هذا الدجل، ويدعي العلم، وجل العلم أن يكون هذا دعاؤه، ويحاكي الملاحدة ليقول عنه المغفلون أنه واسع الذهن، وليتسنى له أن يغمز الإسلام ويبسط لسانه في العرب، والحقيقة أنه لا أديب ولا عالم، وإنما هو مشعوذ يقف في السوق، ويصفر ويصفق ويصخب، ويجمع الفارغين حوله بما يحدث من الصياح الفارغ والضجة الكاذبة.
لقد آن لمن تعنيهم كرامة الأدب أن يقتلعوا هذه الطفيليات، وأن يطهروا من حشراتها ونباتها رياضة، وأن يقصوا عن مجاله هؤلاء الواغلين الذينيتخدون أسمى ما في الدنيا وأجل ما في النفس طبولاً لهم، ويتذرعون بالتهجم على الدين -على دين واحد في الحقيقة- وعلى العلم والفلسفة والأدب لنيل ما يستحقون، ويفسدون عقول الناس، ويبلبلون خواطرهم بما يغالطونهم فيه ويخادعونهم".

* سلامة موسى: دارون ونظرية التطور:
حاولت قوى التغريب دفع أفكار سلامة موسى إلى أبعد مدى بعد أن هلك، ولكن لم يكن ذلك ليجد أي صدى، فقد تقادم العهد الذي كانت كتاباته تملأ نفوس الشباب ببريق خاطف، وتبين فساد النظريات الثلاث التي دافع عنها وسقوطها:
ا- نظرية اللادينية والعلمانية، وهذه قد تداعت في داخل المجتمعات التي دعت إليها وظهرت بها.
2 - نظرية داروين التي تكشفت الأخطاء عن فسادها وزيفها.
3 - نظرية التحليل النفسي لفروديد وقد اعتورها زيف كبير ونكشف عن أنها نظرية تلمودية تستهدف تدمير الإنسان وتحطيم وجوده.
يقول الأستاذ لمعي المطيعي: أن سلامة موسى وجه سهم قلمه مباشرة إلى عقيدة المصريين جميعًا، حيث ترجم في وقت باكر كتاب "نشوء فكرة الله" لجرانت إليه، فهم يؤمنون إيمانًا راسخًا بالخالق (خالق السموات والأرض) فلماذا يأتي هذا الكاتب ليعرض عليهم هذه الأفكار وما مدى اقتناعه هو نفسه بها سيما وإن كان قد تتلمذ على أفكار شبلي شميل وكتب عن الدارونية ونظرية التطور ودعا إلى العلمانية.
وقال: الانطباع الأول هو الانطباع الأخير.
لقد غفل الكاتب عن حقيقة جوهرية، وهي أن الأمة العربية تحرصعلى التطور والتقدم والتحديث من خلال المحافظة، على العقيدة وليس عن طريق التناقض معها أو مواجهتها إذ أن الشعوب العربية تؤمن بأن العقيدة لا تتناقض مع العلم بل إنها تدعو إليه.
ومن أعماله أنه طالب باستبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية في الكتابة على زعم أن الكتابة بالحروف اللاتينية أيسر، فثار أهل العربية -على حق- ضد هذه الدعوة ووجدوا منها سندًا جديدًا على اتجاه الكاتب: (المعادي لعقائد الناس ولغتهم).
وقد تتلمذ سلامة موسى على أفكار لطفي السيد وفرح أنطون ويعقوب صروف".
ويقول نعمان عاشور الذي كان يحضر مجالسه الخاصة: إن آراءه واتجاهاته كانت تجنح في معظمها للتطرف الجارف والخروج عن المألوف، وكان يخفي نزعته الطائفية وراء ستار رقيق من العلمية، ولكنه اضطر أن يكشفها في مقالاته في جريدة مصر، وكان يكشفها لتلاميذه في اجتماعاته الخاصة مع دعواه الدائمة في كتاباته إلى نبذ التعصب وإبعاد الدين عن الخلافات السياسية والمذهبيات الاجتماعية والتطلعات الوطنية والقومية.
وقد دعا إلى الفرعونية، وكتابة العربية بالحروف اللاتينية، وكانت له نظرات محددة في معالجة الجنس فضلاً عن النظرة الاشتراكية.
وقد عمل سلامة موسى في جمعية الشبان المسيحية، ما وصفه نعمان عاشور بأنه "حدبة على الشباب" وندواته ومحاضراته ومناظراته التي كان يشترك فيها وملتقى كبير من الشباب المسلمين والمسيحيين الذين كانوا يؤمنون بما يعتقده.
ا- الاتجاه إلى المذاهب الاشتراكية.
2 - الإيمان بالغرب. 
3 - كراهية الإسلام.
وكان يوزع على الجالسين ورقة صغيرة يكتب كل منهم رده على ما سيوجه إليهم من أسئلة كشباب ليعطوها له في آخر الجلسة حيث يقوم بعمل حصر ميداني لمشاكل الشباب.
وقال: أنه صودر في حملة عام 1946 مع زكي عبد القادر وعصام الدين حفني ناصف.
وكان قد أقام في لندن أربع سنوات تأثر فيها بالحركة الاشتراكية الفابية وكان معجبًا ببرنارد شو وتتلمذ على يعقوب صروف وفرح أنطون، وكان له دوره في مجلة الهلال".
ولا ريب أن كتابة "نعمان عاشور" تكشف الكثير وتلقي الضوء على الخطة التي كانت تقوم عليها جمعية الشبان المسيحية في الثلاثينات بالاشتراك مع الجامعة الأمريكية من ناحية أخرى في التبشير واجتذاب الشباب، ومع الدور الذي كان يقوم به طه حسين في كلية الآداب، ومدرسة السياسة (محمود عزمي وعلي عبد الرازق) في حزب الأحرار الدستوريين.
وذلك مخطط مدروس كشفنا عنه في كثير من الدراسات وهو نمو طبيعي لمدرسة سعد زغلول ولطفي السيد في التعليم والصحافة والأحزاب الموالية لكرومر والاستعمار.
ولو أفصح الأستاذ نعمان عاشور لقال: أن سلامة موسى كان يجتمع بالشباب بعد اختباره والتعرف عليه في غرفة مغلقة في جمعية الشبان المسيحية وكان يتناول أخطر المسائل بالنسبة للإسلام والقرآن بعد التأكد من أن الحاضرين عليه يحتقرون الإسلام ويسخرون منه، وكان ذلك كله مددًا لمعهد شارع المناخ الذي كان يديره (هنري كوريل) اليهودي الميسور الذي أنشا في مصر خلايا الشيوعية وأحزابها والذي ينتسب إلى التلمذة عليه عدد كبير من 
الأسماء اللامعة الآن في مجال اليسار والشيوعية.
- وعندما تطالع مواد العدد الأول من المجلة الجديدة (ديسمبر 1929) التي أصدرها سلامة موسى بعد أن فصل من دار الهلال تجد أنه أراد أن يسجل برنامجه التغريبي كاملاً فأورد هذه الموضوعات:
- العلم وحده (محمود عزمي).
- المجددون يقولون بالتطور (سلامة موسى).
- دارون، الفرعونية، الإغريق.
- الصراحة في المسائل الجنسية.
- البهائية، الرجعية، الوطنية والعالمية.
- التجديد في تركيا.
- الشرق شرق والغرب غرب.
- المصريون أمة غير شرقية.
- دين البشرية.
- الأزمة الدينية في العالم.
- اللغة العربية.
- المادية.
- العقل وحده، غاندي.
- السفور في العالم الإسلامي.
- فولتير، هافلوك إليس، نيتشه.
- البشرية دين جديد.
- التعليم.
- السلفيون والمجددون.
- أرايت أيها القارئ المسلم هذه الموضوعات: هل غادرت قضية واحدة
من قضايا التغريب، ما أحوجنا إلى بحث جامع في الرد على العدد الأول من المجلة الجديدة!
واليوم وبعض أبناء سلامة موسى يجددون تراث أبيهم تراهم يخافون طبع كتابه "اليوم والغد"؛ لأنه يكشف خطته ومؤامرته على العروبة والإسلام واللغة العربية (وهو كتاب قرأته وأنا في السابعة عشرة)، لكنهم يطبعون كتاب "الثورات" الذي هو خدمة أساسية للفكرة الماسونية التي تعمل على تحطيم الأنظمة الروحية والاجتماعية والأخلاقية في العالم الإسلامي، معليًا من شأن الثورة الفرنسية على أساس أنها قمة الثورات، وإعلان، الإعجاب بها مع عدم تعمق الفهم للدوافع والغايات التي أحاطت بها، وأنها هي ثورة الماسونية الحقيقية التي أخذت تعدلها منذ عصر فولتير، ورسو، وديدرو والتي غيرت وجه أوربا كله في سبيل تمكين اليهود للخروج من الجيتو وإحلال الانتماء الوطني بديلاً للانتماء الديني، والقضاء على التنظيمات المسيحية التي حاولت وقف خطرهم وسيطرتهم، وتحطيم وحدة الجامعة المسيحية في أوربا، بل إن البروتستانتيين كما يبين من بعد كانوا في خدمة أهداف الماسونية والصهيونية وأنهم حتى الآن هم المؤيدون لفكرة وجود اليهود في إسرائيل".
- وبعد فإن مفتاح شخصية سلامة موسى هو كراهيته للإسلام والعمل في كل معسكر معادٍ له، ويبدو أن سلامة موسى حين ذهب إلى لندن جندته الماسونية العالمية بذكاء خارق واستغلت نحلته على النحو الذي اسُتُغِلّ به شبلي شميل في مهاجمة الدين بصفة عامة والإسلام بصفة خاصة" (1) اهـ.
وذهب شبلي شميل وسلامة موسى إلى مزبلة التاريخ مع الدّجالين الذي تلعنهم السموات والأرضون والناس أجمعون.

__________
(1) انظر "جيل العمالقة" (ص 163 - 176).

الثلاثاء، 14 أكتوبر 2014

* ساطع الحصري فيلسوف القومية العربية الزائفة:



* ساطع الحصري فيلسوف القومية العربية الزائفة:
"عرب نعم، إسلام لا: أنا لا ييك (أي علماني أو لا ديني):
سقطت نظرية ساطع الحصري فيلسوف القومية العربية؛ لأنها قامت على أساس التفسير الغربي للتاريخ، ففصلت العروبة عن الإسلام وهو أول من جعل العنصرية والعرق والدم بديلاً لمفهوم الإسلام الذي يقوم على الإخاء الإنساني، وهو أول مسئول عن التعليم العالي التركي في الوزارة التي شكلها الاتحاديون بعد سقوط الخلافة مباشرة وأول من صرح بأنه قومية إسرائيل تقوم على الدين، وأن الإسلام دين تعبد وينكر أنه نظام حياة ومجتمع، والحقيقة أنه ما ذنب العروبة والإسلام إذا كان ساطع الحصري غربي الفكر والذوق أعجمي النطق يتجاهل أن لغتنا لغة فكر وعقيدة وأن ديننا يجمع بين المادة والروح وبين العقل والقلب وبين الدنيا والآخرة.
حدثني الدكتور مختار الوكيل مدير مكتب الجامعة العربية في جنيف، وهو رجل صادق مؤتمن، أنه في خلال عمله زار الأستاذ ساطع الحصري في  سويسرا ورأى السيد عبد الفتاح حسن السفير المصري دعوته إلى طعام للغداء فلما قدم مع الدكتور الوكيل حياه السفير المصري فقال:
مرحبًا بالمناضل الكبير في خدمة العروبة والإسلام، وقد عجب الرجلان من ساطع الحصري الذي رد في عنف وحدة:
"عرب نعم .. إسلام لا .. أنا لا ييك".
وكلمة"لا ييك" تعني أن صاحبها علماني أو لا ديني.
وقد أحرز ساطع الحصري شهرة وافرة في سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية باعتباره فيلسوف القومية العربية، حيث روج لنظرية خطيرة كانت بعيدة الأثر في حجب العروبة الأصيلة المرتبطة بالأسلام فكرًا وعقيدة، وبالعالم الإسلامي تكاملاً وإخاء .. لقد كان دعاة حركة اليقظة في البلاد العربية يرون أن الجامعة الإسلامية قائمة بين العرب والمسلمين (فرسًا وتركًا) بعد زوال الدولة العثمانية. ولكن ساطع الحصري كان من أوائل الدعاة إلى فصل العرب عن المسلمين بمفهوم القومية الغربي الوافد الذي طرحه في أفق الفكر السياسي العربي. وهذا يرجع إلى أن ساطع الحصري كان ثمرة من أنضج ثمار المدرسة الاتحادية التركية، وأكبر الدعاة الذين نقلوا مفهوم القومية الطورانية التركية إلى أفق العروبة التي كانت ترتبط بمفهوم الإسلام في العلاقة بين الشعوب التي جمعها التوحيد والقرآن ونبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - والفكر الإسلامي الأصيل.
لقد كان ساطع الحصري مديرًا للتعليم في الدولة الاتحادية التي حكمت تركيا بعد إسقاط السلطان عبد الحميد بمفهوم العلمانية والطورانية.
وقد تعلم في مدرسة الاتحاديين، وآمن بفلسفتهم، ونقل فكرهم ومضامينهم إلى العرب، وذلك في سبيل تمزيق الوحدة الإسلامية الجامعة عربًا وتركًا وفرسًا، وخلق أسلوب القوميات والإقليميات التي تقوم على الصراع والاستعلاء بالجنس والعنصر.
وهو أول من حمل لواء العنصرية والعرق والدم بديلاً لمفهوم الإسلام الذي يقوم على الإخاء الإنساني. وقد كان فلاسفة الفكر القومي التركي من الاتحاديين: تلاميذ الفلسفة الوضعية متشبعين بالنزعة الطورانية العدوانية. وقد استمد ساطع الحصري مفهومه للعروبة من مفهوم القومية الغربية، والنظرية التي طبقها الأتحاديون في تركيا. فقد ركز على اللغة والتاريخ وعزلهما عن الفكر الإسلامي الجامع ككل كما ركز طه حسين على الأدب وعزله عن وحدة الفكر الإسلامي.
ونظرية ساطح الحصري التي روجت لها بعض الأحزاب السياسية العربية قد أثبتت خلال أكثر من ثلاثين عامًا فشلها الذريع، وعجزها عن العطاء؛ لأنها فرغت مفهوم العروبة من قيمه وتاريخه وعناصره الأخلاقية الروحية وجعلته مفهومًا ماديًا خالصًا.
وقد اعترف ساطع الحصري بأن إسرائيل قومية تقوم على الدين ورفض اعتبار الإسلام مقومًا بوصفه دينًا (بمفهوم اللاهوت). ذلك أن مفهوم ساطع الحصري للإسلام ناقص، فهو يراه دينًا لاهوتيًا وليس دينًا ومنهج حياة ونظام مجتمع على النحو الذي يؤمن به دعاة العروبة الإسلامية.
لقد فهم الإسلام على أنه "دين عبادي" كما فهم الأوربيون المسيحية، ولم يفرق بين الدين بعامة والإسلام، ولم يفرق بين العصر والبيئة والجذور الثقافية التي يختلف فيها عن مفهوم القومية في أوربا.
ولقد كان مفهومه للعروبة ناقصًا. فلم يصل الى مفهوم العروبة المترابط مع الإسلام، هذا الترابط الجذري الذي لا سبيل للانفكاك عنه.
ويرى كثير من الباحثين أن ساطح الحصري لم يعايش المناخ العربي قبل أن يضع مجموعة آرائه، وأنه استهدى بمناخ البلقان والنظرية الألمانية في  حركته القومية التي رفع فيها شعار اللغة في مواجهة الدولة العثمانية للتحرر منها، وأنه كان حاقدًا على الترك حقد المحافل الماسونية التي احتضنت الاتحاديين ووجهتهم وجهتها، ودفعتهم إلى الدعوة إلى الذئب الأغبر كرمز لها بديلاً للقرآن.
وقد كان أكبر أساتذته في مفهوم القوميات "ماكس مولر" و"نوردو" وهما فيلسوفان يهوديان قصدا من وراء نظرية اللغة إلى إحياء القومية اليهودية.
وقد اعتبر ساطع الحصري اللغة أساس القومية، وعارض نظرية الأرض التي دعا إليها أنطون سعادة دون أن يتنبه إلى أن الفكر لا اللغة هو مصدر الوحدة.
وقد أجرى ساطع الحصري الجدل حول عديد من النظريات الأوربية في القومية دون أن يواجه جوهر المفهوم العربي الإسلامي المصدر والجذور: هذه الجذور التي تجعل من العسير فصل اللغة عن الفكر واعتبارها مقومًا منفصلاً، أو الاعتماد على نظرية بقاء اللغة أو ضياع اللغة مع أن الأساس هو بقاء العقيدة والفكر الذي يحمي وجود الأمة الحقيقي.
والواقع أن ساطع الحصري كان غربي الفكر أساسًا بل وغربي الذوق أعجمي النطق، وأن تركيبه الثقافي والاجتماعي يحول بينه وبين نظرية عربية إسلامية أصيلة مستمدة من واقع الأمة الإسلامية وكيانها، وذاتيتها التي لا تنفصل فيها اللغة والتاريخ عن الفكر نفسه. وفي ذلك مغالطة أو جهل. ذلك أن اللغة العربية ليست لغة أمة فحسب ولكنها في نفس الوقت لغة فكر وعقيدة، فإذا كان العرب وهم مائة مليون يتحدثون بها فإنها لغة العقيدة والفكر لألف مليون من المسلمين يرتبطون بالقرآن الكريم والسنة الشريفة، وذلك التراث الضخم من الفقه والعلم والتاريخ. وأن اللغة لا تنفصل عن  الفكر وأن تاريخ العرب لا ينفصل عن تاريخ الإسلام.
ومرجع ذلك إلى أن ساطع الحصري نشأ -كما ذكرنا- في بيئة الاتحاديين الأتراك الذين كانوا صنائع للفكر الغربي، والذين نشأوا في أحضان المنظمات الماسونية، وحملوا لواء الإيمان بالفصل بين الدين والمجتمع، وفهموا الإسلام فهمًا غريبًا على أنه دين لاهوتي.
وعلى هذا الفهم الخاطى القاصر قامت نظرية ساطع الحصري التي لمعت سنوات تحت تأثير الخداع والأهواء حتى أن بعض دعاة الماسونية في العالم العربي راح يفسر عن طريقها تاريخ الإسلام كله فيرى أنه تاريخ قومي عنصري عربي. ومن ثم وجهت غارات الحقد والخصومة إلى الأمة الإسلامية وهذه هي الثمرة الحقيقة التي تهدف إليها حركة الغزو الثقافي التغريبي من طرح هذه النظرية القومية، الأقليمية الضيقة العدوانية الوافدة. بديلاً عن المفهوم الأصيل "العروبة في إطار الإسلام" كما كان يفهمه شكيب أرسلان ورشيد رضا ومحب الدين الخطيب وحسن البنا ومصطفى السباعي ومحمد المبارك.
هذه النظرية المضطربة التي خدع بها ساطع الحصري الكثيرين، التي سايرها كثير من المثقفين قبل أن يعرفوا سمومها العميقة. فلما عرفوها هاجموها وكشفوا زيفها.
والنظرية مضطربة من أساسها. ولو كان ساطع الحصري حسن النية لصحح موقفه من فهم الدين فهمًا غربيًا لائكيًا وفهم الإسلام بمعناه الجامع بين العقيدة ونظام المجتمع. لقد اعتمد أساس نظرية مفهوم الدين اللاهوتي بمفهوم أوربا والغرب للدين، ولذلك عجزت النظرية عن أن تنجح في إطار الفكر الإسلامي، بل إن كل العناصر التي عالجها كانت عناصر البيئة الغربية في مواجهة الصدع بين الجامعة المسيحية الأوربية وبين القوميات الإقليمية  والتي كانت وراءها اليهودية الصهيونية لتمزيق هذه الوحدة والسيطرة على كل قطر على حدة. وهو نفس ما أرادته بالنسبة للجامعة الإسلامية التركية التي وقفت أمام دخول الصهيونيين إلى فلسطين وموقفهم من السلطان عبد الحميد واضح معروف.
إن كل التحديات التي تعالجها نظرية القومية الوافدة لا توجد أساسًا في المناخ الإسلامي هذا فضلاً عن اختلاف مفهوم (العروبة) عن مفهوم القومية في الغرب فضلاً عن اختلاف مفهوم الإسلام عن مفهوم الدين بصفة عامة.
ومصدر خطأ ساطع الحصري أنه عجز عن فهم أبعاد الفكر الإسلامي وأعماقه، وعلاقة العرب بالإسلام، وعاش في مؤلفاته خادمًا لنظرية القومية الأوربية الوافدة التي قدمها النفوذ الأجنبي من بين ما قدم ليحطم الوحدة العربية الإسلامية الجامعة بعد أن عجز عن فرض الإقليميات القائمة على التاريخ القديم كالفرعونية والفينيقية والآشورية والبابلية.
وذلك أنه لما رأى هذه المحاولات تتهاوى ورأى أن العرب يتجهون إلى الوحدة أراد أن يفرغ هذه الوحدة من مضمونها العقائدي الجامع بين الروح والمادة والعقل والقلب والدنيا والآخرة إلى مفهوم اقتصادي مادي صرف، وبذلك فشلت نظرية القومية الوافدة كما فشلت مناهج التعليم الغربي، والقانون الوضعي وأسلوب التنظيمات السياسية الليبرالية وغيرها.
ولقد وقف ساطع الحصري في وضوح موقف الخصومة والحقد والتعصب على الإسلام كلما عرض له، وقد تجاهله طويلاً في أبحاثه كأن العرب لم يعرفوه خلال تاريخهم الطويل. وكانت محاولاته للفصل بين اللغة العربية والفكر الإسلامي من ناحية. وبين تاريخ العرب وتاريخ الإسلام محاولة ساذجة. ثم كشف نفسه وأسقط مكانته كاملة حين اعترف بالقومية اليهودية القائمة على الدين، بينما عارض عنصر الدين في فهم القومية العربية  وإن كانت كلمة (دين) لا تؤدي معنى الإسلام حين يكون البحث حول العروبة.
وقد ثبت أن ساطع الحصري قد خدم بدعوته وفكره مفاهيم الماسونية والنظرية القومية الوافدة التي كان النفوذ الغربي حريصًا على تلقينها للعالم العربي. وهي ليست إلا صورة من مفهوم الإقليمية اللبنانية والمعروف أن ساطع الحصري كان من أعمدة وزارة المعارف في تركيا منذ أوائل حكم الاتحاديين في تركيا العثمانية إلى أن انتهت الحرب الأولى. وإنه كان من أخطر الموجهين للبرامج التربوية والتعليمية في العراق. حيث عمد إلى فصلها عن الإسلام فصلاً تامًا. وكان دوره أشبه بدور الدكتور طه حسين في التعليم المصري.
لقد حاول ساطع الحصري أن يقيم (فكرا عروبيًا إقليميًا) منفصلاً عن الإسلام في روحه ومضامينه وشريعته. ولقد تجاهل أعمق أثر تركه الإسلام في الفكر والثقافة، واللغة والتاريخ وتجاهل أثر القرآن الكريم في اللغة العربية وفي العرب، ومدى ترابط ذلك إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة بالأمة الوسطى الحنيفية السمحاء التي جاء بها إبراهيم عليه السلام فربطت هذا العالم الوسط (عالم العرب والإسلام) بروابط تاريخية وثقافية عميقة دعمتها الأديان السماوية التي نزلت في أرض الرافدين، وختمتها رسالة الإسلام العالمية التي نزلت في الجزيرة العربية.

* عجز الحصري عن فهم الفارق بين الكتلة الإِسلامية والقومية الغربية وبين العروبة والإِسلام:
أشار وليام ل. كليفلاند في كتابه "ساطع الحصري من الفكرة العثمانية إلى العروبة" إلى ما لتربية الحصري (غير الإسلامية) من أثر في توجهه  القومي فيما بعد مؤيدًا في ذلك فلسفة الحصري التي نسبت إلى التربية خطرًا عظيمًا في تكوين الآراء والأهواء والاتجاهات فالحصري تعلم في المدرسة الملكية في إستانبول ولم يستظهر القرآن مثلما كان يفعل معظم تلاميذ السلطة العثمانية في عصره.
ويركز كليفلاند على هذا الفعل في حياة الحصري ويرى أنه هو السبب في أن ظهر في كتاباته بصورة المعادي للإسلام لا لسبب واضح إلا أن النمط القومي الأوربي معاد للكثلكة لسبب تاريخي أوربي خاص.
فالدين في أوربا أخفق فعلاً في منع اتحاد أولئك الذين قدر لهم الارتباط بأسباب تتعدى الدين، كما يقول كليفلاند: لكن الإسلام استطاع أن يوحد شعوبًا لم تكن العوامل الأخرى قادرة على توحيدها.
ْلقد أشار كليفلاند إلى تأثير الحصري بموقفه المتناقض الحاد بين القومية والكثلكة في أوربا وهو ما ليس له مثيل في المجتمعات الإسلامية بل إن كليفلاند يرى أن موقف الإسلام من القوميات يختلف عن موقف المسيحية في الغرب.
ويرى أن الإسلام كان قادرًا على التوحيد الحضاري الذي يقوى على الزمن، حيث ينزع الباحثون إلى اتخاذ عروبة القرآن نموذجًا على عوامل التوحيد الحضاري وإن كان الإسلام أحدث نتاجات حضارية أخرى فأنشا تراثًا غنيًا استطاع أن يوحد مجتمعات لم تكن جميعها مسلمة بالضرورة فالفتوحات الإسلامية دفعت المسلمين إلى دراسة الجغرافيا والعلوم العسكرية وتدوين الوقائع والتاريخ وتنظيم الإدارة وتطوير النظم الضريبية والرياضيات والموسيقى والعمارة، وهذه جميعها شكلت حضارة إسلامية ذات سمة خاصة وهي سمت الإنسان المنتمي إليها أيًا كان دينه أو مذهبه (1).

أما الإنتاج الحضاري في أوربا في عصر ظهور القوميات فسلك مسالك مختلفة أهم ما فيها اللغات العامية هي التي عبرت عن هذا الإنتاج الحضاري فكان لا بد من أن تثور القوميات الناشئة على السلطة الاسمية التي كانت تمثلها الكثلكة، في مؤسساتها وسلطانها، أما الإسلام فلم يكن له يومًا تلك المؤسسة الدنيوية المركزية الكهنوتية ولا احتكرت فيه التشريع جهة من الجهات وكانت له في المقابل لغة واحدة لجميع المسلمين. اهـ.
هذه هي الفوارق العميقة بين الإسلام والعروبة وبين المسيحية والغرب والقوميات التي عجز ساطع الحصري عن فهمهما حين حاول أن يطبق النموذج الغربي في العلاقة بين المسيحية والقوميات على الإسلام والعروبة.
ومن هنا كان فشله وسقوط نظريته وعجزها عن الاستجابة الحقيقية، على هذا النحو الذي كشف عنه وليام كليفلاند في كتابه عن ساطع الحصري.
ويقول كليفلاند: إن الإسلام لم ينقض العروبة بل أغناها وأمدها بكابحات حضارية جعلتها صفة وسمة خاصة بين الأمم، وأمكنها من أن ترث مهمة مقارعة الغرب التي حملها الفرس على عاتقهم عشرة قرون منذ ما قبل الإسكندر، وأصبحت هذه الحضارة الإسلامية عند العرب من سمات قوميتهم وملامحهم المميزة أيًّا كانت عقيدتهم الدينية.
وغاية ما يقول كليفلاند: أن التناقض الحاد بين القومية والكثلكة في أوربا لا نجد له مثيلاً في المجتمعات الإسلامية، وهذا هو سر موقف الحصري الجاف من الإسلام غير أن البعض يرى: أن ساطع الحصري انتقل من مفهوم الاتحاديين حول القومية الطورانية إلى العروبة أو نقل مفهوم الاتحاديين إلى العروبة أو حاول تقديم المفهوم العلماني الذي تجمع حول فكر الطورانية الذي قدمه أعداء الإسلام وأصحاب الولاء الغربي، حيث حاول تقديم هذا الفكر  في قضية الإسلام والعروبة ومن هنا كانت تجاوزاته ومحاذيره" (2) اهـ.
__________

(1) قائل هذا الكلام رجل غربي لذلك تجد به كثيرًا من الأخطاء الشرعية.
(2) "جيل العمالقة" (ص 151 - 156).